بقلم : رجب أبو سرية
يبدو الشرق الأوسط بأسره، وليس ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي فقط، على مرجل أوار، كل ما هنالك يشير إلى انه يتغير، ولكن في نفس الوقت لا أحد يمكنه أن يتوقع بالضبط، الشكل الذي سيكون عليه في آخر الأمر، أي أن هناك حراكا سياسيا واجتماعيا سريعا وكبيرا وجارفا، لكنه صورته الأخيرة غير واضحة المعالم، لذا لا يمكن التوقع تماما ماذا سيكون عليه الحال غدا، لذا فإن معظم قادة المنطقة إنما يقومون "بتسيير" أعمال الحكم والسياسة كما لو كانوا حكاما عابرين أو مؤقتين، كما هو حال أو شأن الحكومات المؤقتة .
ولعل خير دليل على ما نذهب إليه هو ما أحدثته واقعة اغتيال رجل واحد، لم يكن يعرف به الكثير من الناس قبل أسابيع، فصار فجأة حديث الإعلام والناس في المنطقة، بل وفي كل العالم لدرجة أن تهدد تداعيات الواقعة مستقبل واحد من أركان النظام الإقليمي، الذي اعتقد قبل وقت قصير بأنه سيكون أحد مرتكزات النظام الإقليمي الذي يتم تشكيله، ونعني به تحول المملكة العربية السعودية على طريق المملكة الثانية، بقيادة ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، ليصبح في لحظة فارقة كل ما تم التبشير به من تخطيط لما ستكون عليه المملكة حتى عام 2050 في مهب الريح.
حالة الشد والجذب والتدخل خاصة في الملف السوري التي جلبت كل أركان الإقليم وكذلك القوى العظمى، لتصبح عوامل تأثير مباشر في صياغة مستقبل الشرق الأوسط، الذي يعود ليتحكم بالطاقة الكونية، مع تزايد اكتشافات آبار الغاز في المنطقة، تظهر المدى البعيد وغير المتوقع الذي ينتظر الشرق الأوسط، والذي يؤكد بان المنطقة ستظل تمر في حالة عدم استقرار لمدة أطول مما يعتقد الكثير من الناس، بل ربما يكون الأمر ابعد من ذلك، أي ربما نكون على موعد مع مزيد من الحروب والصراعات متعددة الدوافع والأطراف وغير التقليدية أيضا، إلى أن يجتمع العالم بأسره من أجل إيجاد الحلول التي تجنب البشرية فوضى خارجة عن السيطرة .
حتى ما ظهر خلال العامين الأخيرين من انه "قدر سياسي" بعد دخول دونالد ترامب وطاقمه المعادي للحقوق الفلسطينية البيت الأبيض، يبدو انه على موعد مع المتغير الذي سيفرض عليه تحولا سياسيا مهماً أن لم يكن جذرياً، ونعني به الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ، حيث تظهر استطلاعات الرأي فوزا قادما مؤكداً للديمقراطيين، بما سيعني كبحاً لجماح طاقم البيت الأبيض، الذي اخذ الولايات المتحدة إلى مشارف العزلة الدولية في أكثر من ملف دولي وليس في ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي وحسب.
وقبل أيام من انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، الذي تم التحضر إليه، بل وتمت إعادة تشكيله قبل عدة أشهر من أجل مهمة أساسية وهي أن يقوم بمهمة البرلمان الفلسطيني المعطل منذ سنوات طويلة، وان يتخذ القرارات الحاسمة فيما يخص الاتفاقيات التي رسمت العلاقة مع إسرائيل منذ أوسلو، كذلك الموقف تجاه الولايات المتحدة، بعد قرارها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق مكتب م ت ف، والقرار الحاسم والنهائي تجاه ملف المصالحة وحالة الانقسام الداخلي، قبل أيام من ذلك يبدو كل شيء في حالة من "التوازن الدقيق" لدرجة أن أي خطأ حتى لو كان بسيطا يمكنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية.
قبل أيام من انعقاد المركزي، وبعد انسداد أفق المصالحة، ومع جهود مصرية تسابق الزمن من أجل ربط ملفي المصالحة والتهدئة وانجازهما وفق الرؤية الوطنية الفلسطينية، وبعد أن صارت إسرائيل في علاقتها مع غزة، أمام لحظة حاسمة وهي ضرورة اتخاذ القرار الحاسم، فإما الحرب وأما الاتفاق، يبدو أن الاتفاق الأنضج وهو بالرعاية المصرية، الذي جاء بعد أو بديلا للاتفاق المتسرع القطري الذي ابرم قبل بضعة أسابيع وعرف باتفاق السولار، قد صار في متناول اليد، وكيفية أو شكل الذهاب به يتوقف على موقف رام الله، وعلى مخرجات المجلس المركزي بالتحديد .
لذا نقول بأن قليلا من الصبر فقط ربما يكون كافيا لتحقيق ما هو الأفضل، وأفضل مما هو الأسوأ، والذي هو بالتأكيد الطلاق بين جناحي الوطن، فليس هناك ما هو أسوأ من الطلاق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لذا فان انجاز اتفاق التهدئة على أساس وقف احتجاجات العودة، مقابل حزمة من التسهيلات الإنسانية، من شأنه أن يخفف بعضا من الحمل الملقى على كاهل السلطة الشرعية، وذلك في حال تم الاتفاق على أن تكون هي الجهة المنوط بها تحمل مسؤولية اتفاق التهدئة .
ربما لم ينجح الراعي المصري في أن يتم الإعلان عن المصالحة قبل التوصل لاتفاق التهدئة، لكن انجاز الاتفاق لتتم مقايضته بالتراجع عن إعلان الطلاق مع غزة، ربما يؤدي إلى نتيجة مقبولة وطنيا، فيركز "المركزي" بالتالي على مواجهة إسرائيل وأميركا في قراراته، حتى يظهر لاحقا بان الكل الوطني، سيكون على الجهة المقابلة في المواجهة وفي تنفيذ قرارات وقف التنسيق الأمني وتحمل تبعات إلغاء اتفاقية باريس، وكذلك مواجهة صفقة العصر ببنودها المعلنة قبل إعلانها، أي نقل السفارة الأميركية للقدس والضغط على الأونروا وإغلاق مكتب م ت ف في واشنطن.
المهم هو أن يظهر اتفاق التهدئة كثمرة للتوافق الداخلي، وكنتيجة للرعاية المصرية بالتحديد، لأنها الوحيدة التي يثق بها الكل الفلسطيني، على الصعيدين الفصائلي والشعبي، وحتى يتم التأسيس على ذلك لتتحول الرعاية المصرية من وسيط وراع إلى حكم بين المتخاصمين الفلسطينيين، والى قاض يمكنه أن يفرض عليهما ما يقرره، بعد أن عجزا معا عن الاتفاق على إنهاء الانقسام بينهما، كل هذا الوقت، إلى أن "يأتي الله أمرا كان مفعولا"، فمن يدري بعد أن مرت أسوأ اللحظات في أن الأيام القادمة تحمل انفراجة ما، تعزز من فرصة الشعب الفلسطيني على تحقيق مراده الوطني في المدى الزمني المنظور .