سورية الدولة المستباحة
آخر تحديث GMT 18:06:51
 فلسطين اليوم -

سورية الدولة المستباحة!

 فلسطين اليوم -

سورية الدولة المستباحة

بقلم : رجب أبو سرية

إذا كان يمكن القول: إن تقسيم ألمانيا، بين معسكري الشرق والغرب، كان بمثابة الفصل الأخير في الحرب العالمية الثانية، فيما كان توحيدها ثانية عام 1990 بمثابة إعلان لانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين إياهما، فإنه يمكن القول: إن تقسيم سورية الذي تظهر معالمه واضحة، بعد دحر "داعش"، ربما يكون الفصل الأول في حرب كونية من نوع آخر، أي لا هي بالحرب الساخنة التي كانت عليهما الحربان العالميتان: الأولى والثانية، ولا هي بالحرب الباردة التي كانت عليها حال العلاقات بين معسكري الشرق والغرب فيما بين عامي 1945_1990.

ولقد بدأ الأمر منذ العام 2011، وضمن سياق ما سمي بالربيع العربي، حين ظهرت احتجاجات شعبية في الجنوب السوري، في درعا، ثم انتقلت إلى أكثر من مكان، لتواجه سريعاً بالقمع الأمني، ومن ثم وبسرعة تحولت المواجهة إلى حرب عسكرية ، بعد أن تدخلت دول إقليمية، في مقدمتها دول الخليج (السعودية، قطر، والأمارات) ولكن لوجستياً، أي من خلال دعم المعارضة السياسية، ومن ثم المعارضة العسكرية التي اعتمدت أولاً وبالأساس على الضباط والجنود الذين أعلنوا تباعاً انفصالهم عن النظام، وتشكيل الجيش الحر، بعد ذلك. 

لكن مع توالي فصول المواجهة العسكرية، ومع سقوط أنظمة عربية في المنطقة، تدخلت إيران ومعها "حزب الله" عسكرياً إلى جانب النظام، لحمايته من السقوط، وظل الأمر هكذا، مواجهة تطحن البلاد، إلى أن بدأت تتسلل الجماعات الجهادية المتطرفة، والتي بدأت بـ "النصرة" ومن ثم تبعتها "داعش"، التي حققت مكاسب وصلت إلى السيطرة وحدها تقريباً على ثلث البلاد التي تقسمت واقعياً بين النظام والمعارضة السياسية والعسكرية غير الموحدة، و"داعش". 
بعد وقت "توحّد" الجميع ضد داعش، وحاولت الأطراف الخارجية التوصل لحل سياسي، مع استمرار القتال على الأرض، الذي ظل سجالاً بهدف تآكل البلاد وتدميرها وإحداث فرز طائفي مع نزوح نصف الشعب السوري تقريباً داخل وخارج البلاد، لكن قتال داعش كان في الجانب الذي تحتله من العراق، عبر عملية عسكرية للنظام العراقي مدعوماً من الولايات المتحدة، التي تعتبر عرّاب النظام العراقي في حقبة ما بعد صدام حسين، أما في الجانب الآخر من "دولة داعش" أي الجانب السوري، فقد اختلط الأمر، خاصة أنه قد سبق عملية دحر داعش من العراق تدخل عسكري روسي في سورية إلى جانب النظام، غيّر من الموقف الميداني، بحيث استعاد النظام السيطرة على المدن المهمة التي كانت تسطير عليها المعارضة، مثل: حمص، حماة، وحلب، وهي الشريط الطولي السني، الذي ينتهي بدرعا مروراً بالعاصمة دمشق. 
لكن التدخل الروسي كما هو حال كل التدخلات الأجنبية الأخرى ليس بلا ثمن، فروسيا استعادت بدخولها الناجح لسورية عسكرياً بعضاً من نفوذ الاتحاد السوفياتي في المنطقة، وتقريباً وازنت بين وجودها في سورية والوجود العسكري الأميركي في العراق. 
والنفوذ الروسي يرتكز بشكل محوري على القاعدة العسكرية التي أقامتها موسكو على الشاطئ الشرقي للمتوسط، حيث إنها الدولة الأوروبية الشرقية التي لا تصل قواتها إلى هذا البحر الذي يطل على كل الجنوب الأوروبي، وقد تجاوز ذلك إلى كل المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث يتمتع الضباط الروس بصلاحيات ونفوذ لا حدود لهما. 

أما في المناطق المحيطة بالعاصمة حيث حرص النظام على تشكيل الحامية لرأسه، من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، يبدو نفوذ إيران بلا حدود خاصة لجهة التأثير على قرارات وسياسة النظام، وفي الجنوب وبعد صمت وترتيب من تحت الطاولة، ظهرت إسرائيل أولاً من خلال اتفاقات غير معلنة عقدتها مع روسيا والأردن لخلق حزام أمني يصل إلى حدود دمشق ويشمل نحو أكثر من 50 كيلومتراً من حدودها الشمالية الشرقية، وثانياً من خلال فرض هذه المنطقة العازلة على الأرض، عبر ما تقوم به من قصف مدفعي وجوي لما تسميه وجود قواعد لحزب الله في المنطقة. 

فيما كان التدخل العسكري الأميركي عبر الحليف الكردي السوري، ضمن عملية عسكرية مشتركة ترافق مع التدخل الروسي في تشرين الأول عام 2015 لفرض السيطرة على شمال شرقي سورية المحاذي للعراق حيث توجد قواتها ونفوذها، لينتهي الأمر هذه الأيام بما يسمى بعملية درع الفرات التي تقوم بها تركيا منذ نحو عشرة أيام، وتهدف إلى فرض سيطرة ونفوذ تركيا على شمال غربي البلاد، بحجة محاربة أو مواجهة أو صد النفوذ الكردي خشية أن يقوم إقليم كردي سوري على حدودها كما هو حال الإقليم الكردي العراقي. 
بدأت العملية باندفاع الجيش التركي تجاه عفرين التي تبعد نحو 25 كيلومتراً شرق الحدود الشرقية لتركيا، فيما تعلن أنقرة أنها تستهدف منبج، وصولاً إلى حوض الفرات شرقاً. 

لا تقيم الدول الإقليمية الثلاث: إسرائيل، إيران، وتركيا، والدولتان الكونيتان: روسيا وأميركا، أي اعتبار لا لسيادة سورية ولا لمصالح الشعب السوري، وحيث نجح النظام في منع سقوطه، فإنه عبر هذا التدويل للصراع، فشل في حماية سورية كدولة، وإن كان ليس هناك في الأفق احتمال لتقسيم سورية بين مكوناتها الطائفية كما كان الكثير منا يتوقع سابقاً، فإن تقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الدول الإقليمية وكل من روسيا وأميركا إنما هو أمر واقع وعلى الأرض وفعلي دون أدنى ريب أو شك. 

وهذا يعني أن ما حدث في خمس دول عربية، منذ العام 2011 أو حتى ست دول أي كل من تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسورية، إضافة للعراق من تدخل خارجي لم يأت لها بأي خير، بل على العكس تماماً، دفع تونس إلى أزمة اقتصادية عميقة، ومصر إلى مشكلة أمنية، واليمن إلى كارثة، وليبيا وسورية والعراق إلى تفكك واستعمار متعدد جديد عبر مناطق النفوذ الأجنبية، فيما يخضع كل الإقليم العربي إلى حالة من الفوضى والضعف، لن تتوقف معها حالة الانحدار، إلا بعد أن تبلغ أبعد مدى، وإلى أن يخرج من بين الرماد "فينيق" عربي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية الدولة المستباحة سورية الدولة المستباحة



GMT 08:38 2020 السبت ,01 آب / أغسطس

لم تعد الحياة إلى طبيعتها بعد

GMT 07:33 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

إسـرائـيـل دون نـتـنـيـاهـو

GMT 06:25 2020 الجمعة ,17 تموز / يوليو

بـيـت الـعـنـكـبـوت

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

عن فجوة "كورونا" من زاوية أخرى !

GMT 12:53 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

عن حكومة «كورونا» الإسرائيلية

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:06 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر
 فلسطين اليوم - الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قناعاتنا الشخصية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday