بقلم: رجب أبو سرية
رغم أن الشعب الفلسطيني لم يهدأ طوال ستة عشر أسبوعاً مضت، منذ إعلان ترامب المشؤوم تجاه القدس، خاصة أيام جمع الغضب، إلا أن اليوم الجمعة سيكون يوماً مختلفاً، وسيمثل انعطافة في مسار المواجهة التصاعدي، على طريق الكفاح الشعبي السلمي، الذي رد به الشعب الفلسطيني على الرئيس الأميركي وعلى الاحتلال الإسرائيلي معاً، فهو يصادف يوم الأرض العظيم، الذي يحتفل به الشعب الفلسطيني منذ أكثر من أربعين عاماً بتجديد الكفاح الشعبي، الذي يشمل كل الشعب الفلسطيني في كل مكان، لإعلان التمسك الذي لا رجعة عنه بالأرض الفلسطينية، كما أنه يشكل انطلاقة مسيرة العودة المظفرة، التي اجتمعت عليها كل القوى والفصائل الفلسطينية، والتي ستتواصل لتصل الذروة في اليوم الموعود، يوم الخامس عشر من شهر أيار القادم، الذي يصادف الذكرى السبعين للنكبة، ويوم نقل السفارة الأميركية، إلى موقعها الاستيطاني في القدس المحتلة.
خيوط العنكبوت الإسرائيلية انتابها الذعر لمجرد الإعلان عن المسيرة، فاجتمع الكابينيت، وبين وعد عضو الكنيست يوفال شتاينيتس بأن تقوم المروحيات الإسرائيلية بإلقاء طرود الغذاء والدواء على المتظاهرين، خاصة الذين سيخرجون من غزة، في محاولة لاستذكار حاجة هؤلاء للغذاء والدواء جراء الحصار الإسرائيلي الذي يفرضه عليهم الاحتلال منذ أحد عشر عاماً، وبين وعيد الجيش باستخدام الرصاص الحي، يستعد الفينيق الفلسطيني للانطلاق مجدداً، من أجل أن يقلب الطاولة على رأس ترامب ونتنياهو معاً.
الشعب الفلسطيني صاحب حق في العودة والحرية والاستقلال، لذا فإن «عينه قوية» ولا يخشى ولم يخش من قبل، كما لن يخشى أبداً، بطش الاحتلال، وإلا لما كان شعب في الدنيا قد تحرر من نير استعمار خارجي، ولا من بطش استبداد داخلي، لو أن الشعوب سكنت وخافت من قوة البطش والقهر والاستبداد، أما إسرائيل فبيتها من زجاج، ولا بد من إخضاعها للعدالة الدولية وتطبيق كل القوانين الصدارة عن الأمم المتحدة بحقها، وفي أولها حق عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ثم فرض القانون الإنساني العالمي بنزع كل مظاهر التمييز العنصري وكل مظاهر الدولة الدينية الطائفية عنها، أي باختصار تغيير جوهرها كدولة نشأت في ظل الحرب الباردة، وفي ظل سياسة الغرب بإعادة استعمار ما كان يسمى بالعالم الثالث.
لقد أغلقت إسرائيل منذ العام 2014 طريق التفاوض والتوصل لحل سلمي سياسي، ولقد انحازت الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي وليس لإسرائيل منذ دخل دونالد ترامب البيت الأبيض، لذا فإن الشعب الفلسطيني بكل فصائله وسلطته، عاد ليشق الطريق أمام الكفاح الميداني، إلى أن ينتزع حقوقه من بين أنياب الوحش الإسرائيلي، مسلحاً بالحق كما كان عليه حاله طوال العقود الماضية، ثم بالتجربة والخبرة، وأخيراً بالوحدة الوطنية والشعبية، التي تكون أوضح وأمضى في الميدان.
الشعب الفلسطيني يقول عملياً اليوم لإسرائيل كلمة صريحة وواضحة ومختصرة، ملخصها: نحن وإياكم على هذه الأرض، والزمن طويل، وحيث ليس لنا من وطن آخر، فإنه ليس أمامكم إلا واحد من حلين لا ثالث لهما: إما أن نعيش معاً في دولة واحدة، دولة مواطنة، كل مواطنيها متساوون في الحقوق والواجبات، وحتى اسمها لن يكون إسرائيل، أو أن نقتسم الأرض والهواء والبحر معاً.
الشعب الفلسطيني يجد نفسه مضطراً بين حقبة وأخرى، إلى أن يذكر الإسرائيليين، بما ينسونه دائماً، وهو أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن خطيئتهم تجاه الشعب الفلسطيني لم تقتصر على فعل النكبة وما رافقه من تشريد وقهر، بل إن تلك الخطيئة ما زالت فصولها مستمرة، أولاً من خلال احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، ثم بمواصلة القهر بحق جميع الفلسطينيين، الذي يعيشون حياة أقل من باقي شعوب الدنيا كلها دون وجه حق.
وربما يقول الشعب في هذا اليوم وعبر هذه المسيرة المباركة: إن إسرائيل تخطئ في ألف باء السياسة حين تظن أن الشعب الفلسطيني على هذه الأرض هو أقلية، أو أن مشكلته معها يمكن أن تحل أو أن ينظر لها كما هو حال الكثير من الأقليات التي تعيش في ظل حكم ذاتي، وتطمح للاستقلال، فبين النهر والبحر، الشعب الفلسطيني قبل تنفيذ حق العودة، قد وازن في تعداده اليهود الإسرائيليين على الأرض نفسها، لذا فلا يمكن لأي حل إقليمي أو ديموغرافي من نمط حل الكانتونات أن ينقذ إسرائيل من الذهاب لنظام الفصل العنصري، وأن إسرائيل كلما تباطأت في تطبيق الحل العادل، كلما عقدت الأمور ليس على الشعب الفلسطيني وحسب، بل عليها أيضاً، وهي بذلك تذهب إلى حل كارثي، مفاده: علي وعلى أعدائي.
المهم أن تنطلق مسيرة العودة، ليس إلى فلسطين التاريخية وحسب، بل بالعودة إلى الوحدة الوطنية، وإلى طريق الكفاح الوطني، الشعبي العارم، بالعودة إلى برنامج الكفاح الوطني، وبالتأكيد على أن إسرائيل المحكومة بيمين لا يرى أبعد من قدميه، لا تفهم إلا لغة القوة، ولغة القوة، ليست العسكرية بالضرورة، ولكن لغة الكفاح، وليست لغة السياسة أو التفاوض، لذا فإن انطلاقة مسيرة العودة اليوم، تقول، نحن جميعاً، سلطة وشعب، «حماس» و»فتح» في طريق واحدة، لن نستجدي بعد اليوم أحداً، ولن نعتمد من أجل نيل حقوقنا إلا على أنفسنا، ولن نعود إلا وحقوقنا كلها بين أيدينا.
المصدر : جريدة الايام