بقلم : رجب أبو سرية
أحدث كتاب "النار والغضب" ضجيجا بلا حدود، مجرد أن تمت طباعته وقبل أن يتم توزيعه رسميا، ولم يكن الأمر يتعلق بخطة ترويج للكتاب، اتبعتها دار النشر أو مؤلفه، ولكن لما جاء فيه عما يدور في كواليس إدارة البيت الأبيض المشوبة بالفوضى، وذلك بمناسبة مرور عام على دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.
يمكن القول إن الرؤساء الأميركيين/ الجمهوريين، في النسختين الأخيرتين يظهرون قدرا من عدم الكفاءة، أو قدرا فكاهيا لا يليق برئيس على هذا المستوى، أي رئيس لدولة كبرى على مستوى العالم، فقد ظهر جورج بوش الابن كرئيس كوميدي فاز بالمنصب بفارق لا يتعدى ثلاثمائة صوت حصل عليها في ولاية فلوريدا متفوقا على آل غور المرشح الديمقراطي العام 2000، أي على مرشح مثقف، ثم قاد الولايات المتحدة بشكل دونكيشوتي في حروب أفغانستان والعراق، لكنه مع ذلك بقي رئيسا وثبّت ركائزه في البيت الأبيض بحيث فاز بالولاية الثانية بسهولة.
لذا وبناء على ذلك نقول إن كل ما يقال عن احتمال عزل ترامب أو عدم إكماله ولايته، لن يحدث، بل إنه وبناء على ولايات كلينتون، بوش الابن، وأوباما، والتي استمرت كل واحدة منها مرتين، وتداول فيها الحزبان الحكم، فإن ترامب كرئيس جمهوري سيكمل ولايته وسيبقى في البيت الأبيض حتى العام 2024، وإن ما يتم الكشف عنه تباعا عن اتصالات مع روسيا وعن فضائح مختلفة رافقت حملته الانتخابية، وحتى بعد نشر كتاب "النار والغضب"، وهذا العنوان مستوحى من الإنجيل وهو عبارة كان استخدمها ترامب لتخويف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون، يبدو انه سيفعل ما فعله نشر وثائق "ويكيليكس" قبل سنوات من ضجيج سياسي، ساهم في تأجيج "الربيع العربي" في بلادنا، سرعان ما سيتم احتواؤه، ذلك أن الحكم في الولايات المتحدة مستتب بيد المؤسسات والشركات، والشعب أو الناخبون، ما هم إلا رأي عام يتم تشكيله عبر الإعلام وأدوات أخرى كما يريد ويشاء نظام الحزبين الحاكم.
ما يهمنا في كل هذا، هو ما تضمنه الكتاب من إشارة للإطار العالم لما ظلت الإدارة الأميركية تروج له خلال عامها الأول في البيت الأبيض من خطة سمتها صفقة القرن، للتدليل على أهميتها وعظمتها وللإشارة إلى أنها أخذت كل هذا الوقت من الإعداد والترتيب والبحث والدراسة.
والكتاب يشير بوضوح إلى أن مؤلف خطة حل الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، ليس هو جاريد كوشنير ولا جيسون غرينبلات، بل هو ستيف بانون، الذي تولى إدارة المكتب الانتخابي لترامب إبان الحملة الانتخابية، ثم تولى بعد ذلك منصب كبير مستشاري الرئيس للشؤون الإستراتيجية وادخله ترامب في كانون الثاني 2017 مجلس الأمن القومي ثم عزله في نيسان من نفس العام، وفي التفاصيل يقول إن الخطة تبدأ بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم منح الضفة الغربية للأردن وغزة لمصر. وذلك لدفع مصر والسعودية للغرق في محاولتهما حل المشاكل، وفي ذلك إشارة لما يتم الترويج له من أن صفقة القرن تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي لإنشاء تحالف امني عربي/ إسرائيلي لمواجهة إيران، بالحديث عن أن المفتاح هو روسيا.
أي أن واشنطن تسعى إلى توظيف خوف العرب من إيران وتوظيف محاولتهم إنشاء درع أمنية إقليمية تحمي عروشهم من "التهديد الإيراني" من خلال طرح وهم اسمه صفقة القرن، لتمرير تصفية القضية الفلسطينية دون إكمال "الخطة" أو دون تنفيذ ما يريده العرب من إنشاء لذلك التحالف الأمني.
هذا هو مبعث الضجة إزاء الكتاب إذاً، أي لأنه يقوم عمليا بما فعله قبل قرن بالتمام والكمال، السوفييت حين نجحوا في ثورة العام 1917 في روسيا وكشفوا وثيقة سايكس/ بيكو، وهو أن ينتبه العرب إلى "الفخ" الذي ينصب لهم، وبذلك تفشل صفقة القرن قبل أن يتم طرحها رسميا على طاولة البحث والتفاوض.
أيا كان ما سيحدثه نشر وتوزيع الكتاب، من ردود فعل، فإنه بكشفه بعضا من تفاصيل ما يحدث في كواليس البيت الأبيض في عام واحد أول من ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب، يدل على مدى العبث السياسي، فالرئيس الأميركي يختار رجالا في مناصب مهمة جدا، لمجرد أنه قرأ لأحدهم مقالا، ثم يقوم بعزلهم بعد ثلاثة شهور من تعيينهم في مجلس الأمن القومي كما حدث مع الجنرال ميكل فلين مستشار الأمن القومي، ثم كيف يتم اتخاذ القرارات التي تعتبر مصيرية بالنسبة للشرق الأوسط، نقصد ما يتعلق بحل الصراع المركزي فيها المستمر منذ مئة عام بهذه الخفة والسذاجة، ما لا يدع مجالا للشك بأن الولايات المتحدة لم تعد مؤهلة لا لقيادة العالم، ولا حتى أنها تستحق عضوية مجلس الأمن الدائمة.
يمكن القول إن النظام الأميركي بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث لم يجدد نفسه، كما حدث مع روسيا أو الصين، بات متخلفا وشائخا، بل ربما أن الدولة الأميركية كلها وليس نظامها وحسب قد باتت رجلا مريضا، كما كان حال الدولة العثمانية عشية الحرب العالمية الأولى، وهذا الرجل المريض يظهر عنوانه على شاكلة رئيس دونكيشوتي، قد يتسبب في دمار البشرية كلها، إذا ما عالج الأزمة مع كوريا الشمالية، كما يحدث في أفلام "الأكشن" الأميركية، وهذا أمر ممكن، لذا بات العالم كله مطالبا بإحداث ربيع عالمي انطلاقا من "ويكيليكس" "النار والغضب".