بقلم : رجب أبو سرية
رغم أن وفدي حركتي "فتح" و"حماس" تصادف وجودهما قبل أيام بالقاهرة، إلا أنهما لم يلتقيا، بل إن كل وفد منهما كان أصلاً قد ذهب للعاصمة المصرية، ليس بهدف لقاء الوفد الآخر، وحتى ليس من أجل المشاركة معاً في اجتماع ما، لكن كلاً منهما ذهب بهدف مختلف عن الآخر، وفد "فتح" ذهب إلى القاهرة من أجل لقاء وفد الجبهة الشعبية للبحث في عقد اجتماع المجلس الوطني، فيما ذهب وفد "حماس" بناء على دعوة من القاهرة، يبدو من التسريبات الإعلامية، أن الهدف الأول منها كان هو "مسيرة العودة" التي انطلقت قبل ثلاثة أسابيع على حدود قطاع غزة مع إسرائيل.
ألا يلتقي وفدا "حماس" و"فتح"، بتقديرنا ليس أمراً جيداً، خاصة بعد أن عادت عجلة المصالحة للتوقف بعد فصل بدا لنا أنه الأخير، وربما كان تكتيكاً سياسياً صحيحاً أن يلتقي وفد "فتح" مع الجبهة الشعبية أولاً لترتيب عقد اجتماع المجلس الوطني، وذلك نظراً لشراكة تاريخية جمعت الفصيلين في إطار م ت ف، وجمعتهما أيضاً مع الجبهة الديمقراطية، وبقية الشركاء الآخرين، لكن المشكلة تكمن في انخفاض سقف التوقعات، التي بعد أن كانت تتمثل في أن يكون اجتماع الوطني مناسبة لطي صفحة الانقسام نهائياً، وضم حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، المهتمين على أي حال، في الواقع السياسي الفلسطيني منذ ثلاثة عقود مضت، ولا يمكن تجاهلهما والسير في الطريق الوطني دون أن يكون القرار السياسي صادراً عن الكل الوطني، صارت أمام الطموح بمشاركة الجبهة الشعبية!
في الحقيقة فإن مدخلات السياسة الفلسطينية قد تغيرت خلال العقود الثلاثة الماضية، أي منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، وما تلاها اتفاق أوسلو فتأسيس السلطة، عام 1994، فقد ظهرت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والإسلام الوطني عموماً في الساحة الفلسطينية كما هو الحال في كل الإقليم كعامل أو كعنصر سياسي مهم وفاعل، ورغم إدراك قيادة "فتح" لهذه الحقيقة ومحاولتها أخذها بعين الاعتبار حين نجحت أولاً في الذهاب للانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 بمشاركة "حماس" دون "الجهاد"، إلا أن الخصومة السياسية التي بدأت مبكراً في فترة 1987_1994 وتواصلت بعد ذلك، كان مدخل معالجته في إطار السلطة خاطئاً، لأن الشراكة التي ظنت "فتح" بأنها ستكون على شاكلة شراكة "فتح"_"الشعبية" في م ت ف، لم تكن كذلك، فتحولت الخصومة بعد عام فقط إلى انقسام.
خلال الفترة ما بين عامي 1994_2006 كان هناك افتراق بين الحركتين، حيث كانت السلطة تواصل السير على طريق أوسلو التفاوضي، فيما "حماس" تسير على طريق معاكسة للاتفاقيات بالتصادم العنيف مع إسرائيل، وبتراكم القوة العسكرية على الأرض، وصولاً إلى لحظة فض الشراكة السياسية عام 2007 والذهاب إلى الانقسام السياسي والجغرافي.
وقد أقامت "حماس" تحالفات إقليمية عربية/إسلامية، مقابل انخراط السلطة في إطار التحالف الإقليمي العربي، وشهدت تلك الأعوام صراعاً سياسياً كان حاداً في أكثر من محطة ومناسبة.
ورغم التغيرات الإقليمية وحالة التهدئة التي شهدها مسار الحوارات من أجل المصالحة وإنهاء الانقسام، إلا أن التوصل لصيغة الشراكة السياسية فشل، وفي الحقيقة فإنه لا "حماس" ولا "الجهاد" قابلتان لإقامة شراكة سياسية في إطار م ت ف كما كان حال فصائل م ت ف، أي كما هو حال الجبهتين الشعبية والديمقراطية.
أقصى ما وصلت إليه "فتح" هو دعوة الحركتين، أي "حماس" و"الجهاد" للدخول في م ت ف، ومن ثم النضال من داخل المنظمة لتفعيلها وربما تعديل ميثاقها أو برنامجها السياسي على الأقل، في حين أن الحركتين تريدان م ت ف مختلفة عن تلك التي نشأت أولاً عام 1964 وثانياً عام 1969، أي تريدان م ت ف ليست وطنية قومية، بل وطنية إسلامية، ولا تقبلان بمكانة مماثلة للجبهتين الشعبية والديمقراطية.
لذا فإن عقد المجلس الوطني حتى لو حضرته الجبهة الشعبية، لمنح الجلسة صفقة جمع الإطار التاريخي أو التقليدي لها، حتى تواجه "فتح" بعد ذلك "حماس" بقوة الحلفاء التقليدين، فإن الأمر لن يكون حلاً للمعضلة، بل تقوية موقف طرف على الآخر، في حين أن واقع الحال على الأرض، لا ينتظر الكثير من الوقت، حتى ترتب هذه الحركة أو تلك أمورها الخاصة في مواجهة الأخرى.
الوقت كحد السيف كما يقولون، وربما كان الأجدى أن ينعقد مؤتمر عام شعبي، تأسيسي حتى يتم إطلاق م ت ف بطبعتها الثالثة، ذلك أن الانقسام هذه المرة مختلف عن كل المحطات السابقة، فالمجلس التشريعي التابع لـ"حماس" ليس مجلس خالد الفاهوم، و"حماس" و"الجهاد" ليستا "القيادة العامة" و"جماعة أبو موسى"، فالانقسام قد شق وحدة الحال والصلة بين جناحي الوطن المحتل، أي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم أن السلطة الشرعية هي السلطة في رام الله إلا أن قطاع غزة بقي أحد عشر عاماً، خارجاً عن طوعها، ولم تسقط "حماس"، بل زادت من قوتها العسكرية التي لا يمكن أن تقدمها لأكثر من سبب، على طبق من فضة للسلطة الشرعية.
الواقعية السياسية تحتم، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، و"حماس" التي تطلق "مسيرة العودة"، بعد أن نجحت بما أظهرته من قدرة أمنية ومن مظاهر الاعتدال السياسي بعد غروب شمس إخوان الربيع العربي، تمتلك أكثر من عامل قوة ومساومة، منها القوة العسكرية ومنها القدرة على إطلاق المقاومة الشعبية السلمية، متمثلة بمسيرة العودة، وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل الجلوس على طاولة التفاوض مع السلطة، تطلق المبادرات اليوم لعقد الصفقة مع "حماس"، إن كان عبر بالون تبادل الأسرى مع رفات جنودها، أو صفقة كسر الحصار مقابل وقف مسيرة العودة، أي أن "حماس" الآن ورغم ضائقة الإخوان، خرجت من عنق الزجاجة، ويقينا بأن التهديد برفع يد السلطة عن قطاع غزة بالكامل لن يجبرها على تسليم كل أوراقها وقوتها للسلطة، وهكذا بتنا على أعتاب المحطة الأخيرة، والخبر السيئ هو أننا لسنا على أعتاب إنهاء الانقسام، بل على أعتاب إعلان الانفصال.
المصدر : جريدة الأيام