بقلم : رجب أبو سرية
توافقت حركتا "فتح" و"حماس"، أولاً، ثم باقي الفصائل ثانياً، على تأجيل تسلّم قطاع غزة من قبل حكومة الوفاق، إلى يوم العاشر من كانون الأول الجاري، بدلاً من الأول منه، كما كان مقرراً، وذلك يعدّ أول عثرة في طريق إنهاء الانقسام، وشكلاً من أشكال إبطاء قوة الدفع التي حدثت منذ الثاني عشر من تشرين الأول الماضي، ما يزيد من احتمالات تعثر ملف إنهاء الانقسام، بل وحتى يمكن القول: إن حركتي "فتح" و"حماس" اللتين تديران الشأن الداخلي منذ العام 2006، معاً وبالتقاسم والمناكفة والتوافق، واللتين أصبحت لديهما الخبرة الكافية في هذا الأمر، يمكن القول: إنهما قد انتقلتا منذ شهرين من مربع إدارة الانقسام إلى مربع إدارة المصالحة، كما قال قبل أيام أحد قادة "الجهاد الإسلامي" في غزة، عن وجه حق.
وإدارة ملف المصالحة لا تعني حل الملف بقدر ما تعني اجتراح الوسائل والطرق والأدوات للإبقاء عليه، والاستمرار فيه أطول وقت ممكن، ذلك أن تزجية الوقت، بإبقاء الحال على ما هو عليه، إنما يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي، الذي لا يمكن القول بأقل من: إنه يؤثر فينا عن بعد بأكثر من شكل وطريقة، وإن مصلحته الكامنة هي في نزع كل مصادر القوة لدينا، وأهمها الوحدة الوطنية، تدفعه لأن يواصل وضع العصي والعقبات في طريق إنهاء هذا الملف.
لكن، والحقيقة تقال: إن إسرائيل وصلت إلى حالة لم تعد فيها بحاجة إلى التدخل المباشر، الفج، بل إنها وبعد أن عملت بجهد حثيث ووفق مخطط إستراتيجي، قد أرست داخل المجتمع الفلسطيني الأدوات والركائز التي توفر لها إمكانية أن تفعل عن بعد ما تريد، دون الحاجة للتدخل المباشر، مع أنها لا تتردد ولو للحظة في التدخل، حين تقتضي الحاجة.
تأجيل الإعلان الرسمي عن تسلّم الحكومة قطاع غزة، والإقرار "بتمكينها" من حكم القطاع، يعتبر أمراً خطراً، رغم التوافق الفصائلي عليه، ليس لأننا في عجلة من أمرنا، ولكن لأن ذلك يعتبر سابقة، من السهل جداً، بعد ذلك أن تتحول إلى تقليد، يتم العمل به إزاء أي خطوة عملية لاحقة على طريق إنهاء الانقسام، كذلك هي جاءت وفي ظل الحضور الأمني المصري، بل وبالطلب منه، حيث إن حضوره لغزة، قبل بضعة أيام، كان من أجل الوقوف على مستوى ودرجة تمكين الحكومة، كما جرى التوافق في القاهرة قبل عشرة أيام، وتوافق توقيت حضور الوفد حتى يمر الأول من الجاري (اليوم) بوجوده، ليعلن من غزة تمكين الحكومة، وبالتالي الانتقال للمرحلة التالية.
الغريب في الأمر أن الفصائل فيما بينها قبل عشرة أيام، قالت: إن الوفد المصري جاء ليشهد على تمكين الحكومة من عدمه، وأن الجميع سيعلن عن الطرف الذي يعطل المسار، وهي اتفقت على التأجيل دون أن تعلن عن الطرف الذي قام بتعطيله، بل إن "فتح" و"حماس" نفسيهما قد قالتا بالتأجيل دون أن تتهم إحداهما الأخرى بالتعطيل، وهذا يثبت ما ذهبنا إليه قبل قليل من أنهما قد دخلتا مرحلة إدارة المصالحة!
في الحقيقة، إن الأمر يعود إلى أن الحكومة اتخذت قراراً، أول من أمس، بعودة موظفيها الذين كانت طلبت منهم الاستنكاف عن العمل منذ انقلاب "حماس" عام 2007، لكن موظفي "حماس"، منعوا تنفيذ هذه الخطوة، الأمر الذي برر للحكومة اعتبار أن "حماس" تعطل تمكينها وعملها.
الجميع يدرك أن ملفي موظفي "حماس" وسلاح الفصائل في قطاع غزة، من أخطر الملفات التي تهدد إنهاء الانقسام بالتعثر والفشل، والفصائل نفسها التي تدرك أن من حق السلطة المركزية في نهاية المطاف توحيد السلاح وقراري الحرب والسلم، وتدرك في الوقت ذاته حق الجميع في العمل، وعدم إقصاء موظفي "حماس" لأنهم ينتمون إلى "حماس"، لذا فقد طالبت في مطلب تأجيل إعلان التمكين برفع إجراءات السلطة المتخذة بحق غزة، واعتبرته مطلباً وطنياً.
بتقديرنا، وبشكل موضوعي ومحايد، نقول: إنه ليس المهم أن يتم توقيع الاتفاقيات، وقد وقّع الطرفان الداخليان العديد منها، من قبل، ولم يتم إنهاء الانقسام، لكن المهم هو ما يحدث على الأرض، ولأن الثقة مفقودة، وفي السياسة ليس هناك شيء يعتمد على النوايا، فلا بد من إجراءات متوازية، نقصد بذلك بأن "حماس" تعتبر أنها بإعلانها حل لجنتها الإدارية، في تشرين الأول الماضي، ثم بتسليم المعابر ومقرات الوزارات والمؤسسات العامة للسلطة المركزية قد خطت من جانبها بأكثر من خطوة عملية، فيما الطرف الآخر لم يقم بأي خطوة مقابلة، وهي بحاجة إلى مثل هذه الخطوات العملية حتى ترضي جمهورها، والجميع يعلم أن هناك الكثيرين داخل "حماس" من المتضررين من إنهاء الانقسام، ممن اعتاشوا وحققوا الامتيازات من الانقسام، لذا فإن الفصائل في غزة تدرك هذه الحقيقة، لكن وبكل صراحة تبدو السلطة المركزية غير مهتمة سوى بإظهار أن "حماس" لا تريد المصالحة.
وكلما تجاوزت "حماس" عقبة تطالبها الحكومة المركزية بخطوة تالية، مع أن السلطة المركزية هي السلطة الرسمية والمسؤولة، أي أنها دون كل الفصائل يجب أن تتبع سياسة وطنية مسؤولة، بعيدة عن المناكفة وعن الرد أو العمل بالمثل، لكن كما أشرنا، فإن التأثير الإسرائيلي، بات جزءاً من النسيج الداخلي، وهذا أمر يطول شرحه، خاصة بعد ربع قرن من إرساء سلطة فلسطينية "بالتوافق والتعايش" مع إسرائيل.
إن فقدان روح المقاومة الوطنية، التي كانت تمزج ما بين المناضلين في دهاليز المطاردة، وانتشار ثقافة امتيازات السلطة والحكم، ربما يفسر الكثير مما نحن فيه، لذا فإنها تتعزز لدينا يوماً بعد يوم، القناعة بأن ثنائية "فتح"/"حماس" ومن ثم جماعية الفصائل، باتت عاجزة تماماً عن مغادرة مربع الانقسام، وحتى حالة الضعف وعدم القدرة على مواجهة إسرائيل وإجراءاتها الميدانية، لذا فقد آن أوان تدخل الشارع، ودخول الشعب والجيل الشاب لتجديد روح المقاومة الوطنية، لتحقيق الأهداف الوطنية كافة.