بقلم : رجب أبو سرية
من يتابع السياسة الخارجية الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط، وتحديداً ما يخص ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا يجد أي فارق بينها وبين السياسة الإسرائيلية تجاه نفس الملف، ويتأكد بأن حالة التناغم والتطابق بين سياسة ومواقف البيت الأبيض ومواقف وقرارات الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، غير مسبوقة، لدرجة أنه يمكن القول، وكأن البيت الأبيض أو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باتت جزءاً من الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، أو أنها أحد أحزابه المكونة الرئيسية الثلاثة، بحيث باتت إدارة ترامب تشكل الضلع الرابع لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية، إلى جانب الليكود، إسرائيل بيتنا والبيت اليهودي.
وإذا كانت إدارة البيت الأبيض قد فعلت ما لم تفعله الإدارات السابقة، على مدار ربع قرن مضى، بتمرير القرار الخاص بنقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، والاعتراف بها كعاصمة لدولة إسرائيل، فإنها لم تكتف بذلك، وهي التي كانت قد هددت دول العالم التي صوتت إلى جانب القرار الذي يدين ذلك الإعلان، فما بالنا بالسلطة الفلسطينية، ومنذ ذلك اليوم، أي منذ أكثر من شهر من الآن، والولايات المتحدة ممثلة باركان إدارتها تشن «حربا» شعواء على السلطة والشعب الفلسطيني.
يشارك في هذه الحرب كل من نائب الرئيس ومستشاريه، كذلك السفير الأميركي في تل أبيب، إضافة إلى الكونغرس، كما كانت شاركت فيها كذلك وزارة الخارجية، وقد مست هذه الحرب المجنونة حتى الأمم المتحدة، وكأن إدارة ترامب تريد أن تفرض «صفقة العصر» سلفاً، حتى قبل إعلان تفاصيلها، والتي من الواضح تماماً، أنها خطة لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، حتى تنغلق أمام إسرائيل كل «مخلفات» اغتصابها لفلسطين أولا، واحتلالها لما تبقى منها وبعض الأراضي العربية ثانياً.
في طريقه إلى مصر والأردن وإسرائيل، قال مايك بنس نائب الرئيس الأميركي، الذي لا يقوى على إخفاء غيظه من السلطة الفلسطينية التي كانت قد وجهت له، وهو عرّاب إعلان البيت الأبيض عن قراره بنقل السفارة للقدس، على الصفعة التي وجهتها له، برفضها استقباله، حين أعلن عن نيته زيارة المنطقة، آخر الشهر الماضي، في محاولة لإغلاق الباب أمام رد الفعل على القرار العدواني الأميركي الخاص بالقدس، أما برنامج زيارة بنس المقررة في العشرين من الجاري، فيتضمن زيارة حائط البراق، ونصب المحرقة في إسرائيل «ياد فاشيم»، إضافة لنيته القول إنه حان الوقت لإنهاء اضطهاد المسيحيين.
لا يقصد بالطبع السيد بنس المسيحيين الفلسطينيين الذين هم جزء وطني من الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، والذي يقمع حتى في حقه بممارسة شعائره الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس وبيت لحم وغيرها، ولا هو يقصد الاضطهاد الذي تمارسه إسرائيل بالطبع، بل يحاول أن يفتح بابا طائفيا في بعض الدول العربية، وحتى بين الفلسطينيين!
وبعد قرارات الخارجية الأميركية الخاصة بإغلاق مكتب م ت ف، وقرارات الكونغرس بوقف المساعدات المالية للسلطة، وكذلك القرارات الخاصة بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من أجل طي صفحة حق عودة اللاجئين، كما يريد نتنياهو، ها هو مراقب الدولة الأميركي يعلن بأنه سيقوم بفحص المناهج الدراسية في المدارس التابعة للسلطة الفلسطينية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تحتوي_حسب وصفه_ على مواد معادية للسامية أو تشجع على الإرهاب!
لم يقل مراقب الدولة الأميركية بمراجعة نصوص المناهج على الجانبين التي تعرقل السلام، أو التي تحض على الكراهية ونفي الآخر، حتى يمكن أن يكون الأمر على درجة ما من المصداقية أو التوازن، بل إنه على هذا الشكل، يجيء منحازاً بشكل تام، كما لو كان قراراً إسرائيلياً، والأهم انه حين يجمع مناهج السلطة مع مناهج وكالة الغوث، فانه لا يحترم ولا بأي قدر المنظمة الدولية التي هي أكثر وجاهة واحتراما دون شك من الدولة الأميركية.
لم يبق عملياً إلا أن تعلن واشنطن صراحة حالة الحرب على الشعب الفلسطيني وسلطته وقيادته، فهي على عكس كل الملفات الدولية الأخرى، لا تكتفي هنا بالتهديد، بل تتخذ القرارات والمواقف، وكأن فلسطين وشعبها وسلطتها، قوة عظمى، تقف في طريق الهيمنة الأميركية على العالم.
في الحقيقة، فإن فلسطين بتراثها التحرري، ولكونها آخر «دولة تحت الاحتلال» تمثل اليوم ضمير العالم، وتدين بمجرد حضورها الصلف الأميركي، وانعدام الأخلاق الأميركي، ويعتبر استمرار احتلالها وصمة عار في جبين النظام العالمي الذي تقوده أميركا منذ أكثر من ربع قرن، أي منذ انتهاء الحرب الباردة، لذا فإنها تريد بالكثير من التوتر والاستعجال أن تغلق ملفها، وليس لديها إلا ما يقال عن صفقة القرن، والتي تدرك تماما بأن الشعب الفلسطيني وسلطته وقيادته لن يوافقوا عليها، لذا فإنها قد جندت كل إمكانياتها السياسة من اجل فرض الاستسلام السياسي على الشعب الفلسطيني وقيادته حتى تمر هذه الصفقة!
آخر ما كتبه الصحافي الإسرائيلي «بن كسبيت» في «هآرتس» أمس، هو أن نتنياهو كان عام 2014، أي عام توقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد عرض خطته التي تتمثل في ضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل مقابل أراض من شمال سيناء، لكن رفض مصر هو الذي أغلق الباب أمام تلك الخطة التي عرضها نتنياهو خريف عام 2014 أي عقب انهيار مباحثات السلام التي كان يديرها جون كيري وبعد الحرب على غزة ذلك العام.
كل التسريبات تشير إلى أن صفقة القرن، تكاد تكون مطابقة تماما لخطة نتنياهو تلك، لذا فإن الحرب التي تشنها إسرائيل ميدانياً وأميركا سياسياً على الشعب الفلسطيني الآن هدفها تحقيق استسلام فلسطيني، لتمرير تلك الخطة، حيث انه سيكون في حال استسلام فلسطين من الصعب على مصر رفضها، كذلك ستفتح السعودية أبوابها للحل الإقليمي، الذي تجند له مؤخرا زعيم المعارضة الإسرائيلية السابق اسحق هيرتسوغ، في حديثه للصحيفة السعودية الإلكترونية إيلاف قبل أيام.