بقلم : رجب أبو سرية
مع انتصاف اليوم الجمعة، ستظهر حدود حالة الترقب أو مدى استمرار الفاصل الضبابي الذي يظهر عليه الموقف الحالي على جانبي حدود قطاع غزة من إسرائيل، ذلك انه بعد أن تبددت احتمالات التوصل لتهدئة جديدة بين حماس وإسرائيل والتي كانت قد لاحت في الأفق السياسي قبل أسابيع، بعد طرح مبادرة المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف، والتي كانت على وشك نيل موافقة الطرفين، بدأ الطرفان بتسخين لم يصل إلى حدود الغليان، حيث كانت حماس قد هددت بالعودة لإطلاق البالونات الحارقة، فيما قامت إسرائيل بالتراجع عن قرارها فتح معبر كرم أبو سالم، ورغم أن كلا الطرفين لم يتوغل بعيدا على طريق زيادة التوتر، بما يدفع بالأمور إلى اندلاع حرب رابعة بينهما، إلا أن الأمور لم تهدأ بعد.
عادة ما يحمل فصل الصيف رياحه الساخنة إلى حدود غزة، ذلك أن اغلب الحروب والمواجهات العسكرية جرت في ذلك الفصل، لكن ها هو الخريف يحل، دون أن يعني ذلك ان مخاطر الحرب الرابعة قد تبددت، وان كان كلا الطرفين يتجنبها، لكن كليهما يريد تحقيق إنجاز ما ليس بالضرورة على حساب الآخر، ولكن كليهما يريده لنفسه، لذا فقد "توافقا" للحظة على أن يكون على حساب الكل الفلسطيني، إلى أن تدخلت السلطة وألقت بثقلها، لتحول دون أن يتم التوصل للتهدئة على حساب المصالحة.
أمس وفي وقت مبكر بعد منتصف ليلة الخميس أو في اللحظات الأولى لانقلاب الساعة، كان الجيش الاسرائيلي يعثر على عبوة مفخخة، محمولة بوساطة بالونات أطلقت من قطاع غزة، وذلك في المجلس الإقليمي "اشكول"، حيث إن حماس ترسل بذلك رسالة تحذير، لم تفتح النار أو لم تعلن الحرب لكنها تحذر من استمرار حالة الحصار، ومن استمرار تردد إسرائيل في عقد الهدنة معها، بما يكون من شأنه أن "يحررها" من استحقاقات المصالحة بتمكين حكومة السلطة من قطاع غزة.
المستجد الملاحظ خلال الأيام الأخيرة التي أعقبت تبدد احتمال التوصل لاتفاق تهدئة أو حتى لتقدم في ملف المصالحة وفق أجندة حماس وبرنامجها واشتراطاتها، هو أن تحريك الشارع في قطاع غزة لم يقتصر على أيام الجمع فقط، وانه لم يقتصر على الحدود الشرقية للقطاع، أي تلك الفاصلة عبر الأسلاك الشائكة بينه وبين إسرائيل، بل إنها شملت فعاليات الاحتجاج على "الأونروا" داخل مدينة غزة، كذلك انتشار النشطاء في أكثر من مكان، مقابل استهداف إسرائيل للشبان العاديين في أكثر من مكان أيضا حيث سقط أكثر من شهيد داخل مدن قطاع غزة خلال أيام الأسبوع الحالي.
ما يزيد أو يضاعف من حالة الترقب على حدود غزة، هو أن بنود الملف الفلسطيني ما زالت متكاملة رغم الانقسام، حيث إن احدها يؤثر دون ريب أو شك في الآخر، ولعل مناسبة مشاركة الرئيس محمود عباس في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإلقائه خطابا، من المتوقع أن يحمل جملا نارية تجاه السياسة الأميركية الخاصة بالملف الفلسطيني وبالعلاقة مع فلسطين، فإن الرد الأميركي في اليوم التالي يمكن أن يجد نافذته في تلك الحدود بالذات.
كيف يكون ذلك ؟ الجواب نجد ملامحه فيما يعلنه المسؤولون الأميركيون من أنه فضلا عن الشروع فعلا في تنفيذ بنود صفقة القرن، في إشارة لما اتخذته الإدارة في البيت الأبيض من قرار خاص بالقدس ومن إجراءات ضد خدمات "الأونروا" المقدمة للاجئين الفلسطينيين، فان إعلان الصفقة قد بات وشيكا.
والإعلان يفضل وجود شريك فلسطيني، وحيث إن الطرف الرسمي يرفض أن يكون ذلك الشريك، فلا بأس من المراهنة على حماس، والتريث في تقديم حبل النجاة لها، إلى أن "تستوي ع الآخر"، فتنضج وتقدم على ارتكاب الخطيئة الوطنية بالمجان تقريبا.
كذلك هناك الاتصالات التي لم تتوقف بل تمت متابعتها مؤخرا في القاهرة، على طريق المصالحة، حيث تبدو الجزرة بيد والعصا باليد الأخرى في وجه حماس، فقد تم حسم الأمر أولا من قبل السلطة ومصر، بتقديم ملف المصالحة على ملف التهدئة، فيما هناك اجتماع المجلس المركزي حي يجري الحديث عن إجراءات تتعلق بمزيد من الخصم فيما يصرف من أموال السلطة إلى غزة، بعد إقدام واشنطن على خصوماتها المالية.
أيام قليلة ونكون أمام مزيد من الضغط على الجميع، فالخصومات هذه المرة لن تقتصر على دافع ممارسة الضغط على حماس، بل مضافا إليه دخول السلطة في ضائقة مالية مع بداية العام القادم، من المتوقع أن تطال أيضا موظفيها في المحافظات الشمالية.
كذلك سيقود المجلس المركزي هذه المرة وسيتصدى كممثل لـ م ت ف جملة الإجراءات التي تهدف إلى التخلص من الوضع الشاذ المتمثل بحالة الانقسام، والتي يعني استمرارها في ظل حالة الحرب المعلنة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ان الشعب الفلسطيني لن يكسب المعركة ولا بأي حال من الأحوال، فيما إنهاء الانقسام الذي بات تحقيقه قصة حياة أو موت، سيزيد دون شك من قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة هذه اللحظة الصعبة جدا.
سيحدد خطاب الرئيس في الأمم المتحدة إذا السياسة الفلسطينية العامة تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، وسيحدد ملامح المعركة السياسية القادمة معهما، فيما سيحدد اجتماع المركزي المتوقع منتصف الشهر القادم، حدود العلاقة الداخلية بين السلطة وحماس، والكيفية التي ستضع فيها م ت ف الحد لحالة الانقسام القائمة، وفي انتظار عدة أسابيع لا تتجاوز مدتها شهرا قادما، ستبقى حالة الترقب العامة وحالة الترقب الخاصة على حدود غزة، قائمة، لذا لن يحمل حراك اليوم بتقديرنا، الدفع بالمنعطف الحاد، إلا إذا كانت حماس قد قررت "الانتحار" مبكرا، وقبل الأوان.