بقلم :رجب أبو سرية
خلال هذا الأسبوع، عقد مؤتمران مهمان جداً برأينا، الأول كان عقد جلسة خاصة للمجلس المركزي الفلسطيني، في رام الله، والثاني كان مؤتمر الأزهر الدولي الذي عقد بالقاهرة، وإذا كانت أهمية الاجتماع الأول تتمثل بما اتخذه من قرارات ومواقف، تعتبر بكل المقاييس عالية السقف السياسي فيما يخص الموقف الفلسطيني، وفيما يتعلق بقوة دفع الموقف الفلسطيني عموماً بشقيه الرسمي والشعبي، فإن أهمية مؤتمر الأزهر تتمثل في درجة تمثيل الشخصيات التي حضرته والتي تمثل الطوائف الدينية الثلاث، وفي مكانة الأزهر، كذلك في تأثير المؤتمر على المحيطين العربي_الإسلامي/المسيحي/اليهودي، والإسلامي، بما يكمل الدائرة المحيطة بالقدس، حيث عقد المؤتمران بعد إعلان الإدارة الأميركية في السادس من شهر كانون الأول الماضي اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيتها نقل سفارة بلادها في الدولة العبرية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، فجاء عقدهما ضمن سياق الرد على الإعلان الأميركي.
وقد جاء مؤتمر الأزهر الدولي بعد نحو شهر من عقد منظمة المؤتمر الإسلامي قمتها قبل نحو شهر في إسطنبول بتركيا، ذلك الاجتماع الذي شكل قوة دفع ساهمت في صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، كذلك في أن تضطر واشنطن للاعتراض وحيدة على مشروع القرار في مجلس الأمن قبل ذلك. أي أن من شأن استمرار عقد المؤتمرات واستمرار الحراك والتحرك الشعبي والرسمي، السياسي والميداني الفلسطيني، كذلك استمرار عقد المؤتمرات، والندوات وحتى التظاهرات في كل المحيط العربي والإسلامي، أن يواصل الضغط من أجل سحب الإعلان الأميركي أو إبقائه حبراً على ورق.
وفي الحقيقة، إن كل شيء متعلق بما يقوم به الشارع الفلسطيني أولاً، والمستوى الرسمي الفلسطيني ثانياً، والشارع لم يتوقف حتى اللحظة عن إعلان ردود الفعل التي تستمد قوة دفع كل يوم جمعة، وتواصل الاحتجاج والمقاومة الشعبية، من القدس إلى جنين مروراً بغزة، حيث اعتقل حتى الآن مئات المواطنين وجرح مئات آخرون، فيما الموقف الرسمي ما زال صامداً ومتصاعداً، وما أعلن في المجلس المركزي من قرارات ومواقف، يؤكد هذا المنحى .
وفي الحقيقة، إن التجربة الفلسطينية الغنية بمحطات الكفاح، تعتبر رافعة للموقف المضاد للإعلان الأميركي ولمحاولة إسرائيل البناء عليه، لإغلاق ملف القدس نهائياً، أو إخراجه من دائرة الصراع وبالتالي من بنود الحل، وربما كان آخر فصل خاص بالقدس، هو مواجهة المواطنين الذي قاوموا مقاومة شعبية سلمية بالصلاة، في أروقة القدس العتيقة، ضد القرار الإسرائيلي في تموز من العام الماضي، بإقامة حواجز وكاميرات مراقبة على بوابات المسجد الأقصى، وانتصارهم هو ما يشير إلى أن السير على الطريق ذاته سيؤدي بقرار ترامب إلى مصير مشابه لقرار الحكومة الإسرائيلية الذي اتخذته في تموز الماضي.
أي أن الأمر لم ينته ولا يمكنه أن ينتهي بمجرد أن يعلن الرئيس الأميركي اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، ذلك أن الأمر ليس بيد أميركا كما أنه ليس بيد إسرائيل، فللشعب الفلسطيني الكلمة الفصل أولاً وأخيراً، ذلك أن القدس هي ملك الشعب الفلسطيني أولاً، وثانياً لكل أتباع الديانات السماوية الحق في حرية العبادة فيها، وهذا أمر يكفله تطبيق القانون الدولي الذي يعتبر القدس مدينة محتلة، لا بد أولاً من رفع يد الاحتلال عنها، ثم فتحها لتكون مدينة السلام ولحرية العبادة الدينية.
لأن الوهم يداعب فقط مخيلة بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، فإن أحداً آخر لا يظن أو يعتقد بأن مصير القدس يمكن لأحد أن يقرره منفرداً، أو أن يفرضه بالقوة، خاصة حين يخرجها من سياقها كمدينة مقدسة، ومحتلة في الوقت ذاته، لذا فإن الرجلين يعتقدان وحدهما، بأن قرارات حكومية كافية لتغيير الوضع القائم، والدقيق، وأن اللحظة مناسبة لأن يفعل الأول ما لم يفعله رئيس حكومة إسرائيلية منذ العام 1967، وأن يفعل الثاني ما لم يفعله رئيس أميركي منذ العام 1995.
وفي حقيقة الأمر، إن رد الفعل الفلسطيني الميداني والرسمي، والذي ترافق بعقد المؤتمر الإسلامي في تركيا ثم بمؤتمر الأزهر الدولي، قد حقق إضافة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، جملة من المواقف السياسية التي سمتها العامة التراجع في موقف البيت الأبيض وفي قدرته على التأثير، رغم استخدامه العصا الغليظة قبل إعلانه وبعده .
أولاً لم يستجب معظم دول العالم للتهديد وصوتت إلى جانب مشروع القرار الذي يرفض الإعلان الأميركي في الأمم المتحدة، ثم ثانياً، وحيث اعتقد البيت الأبيض أن الضغط على الجانب الفلسطيني سيدفعه إلى رفع الراية البيضاء، والقبول بتمرير "صفقة القرن" قد فشل، وها هي الإدارة الأميركية تضطر إلى ألا تتضمن زيارة نائب الرئيس مايك بنس رام الله، كما أنها اضطرت إلى مواصلة التكتم على جوهر أو محتوى الصفقة وتأجيل طرحها رسمياً، بل إنها باتت تدرك أن فرص تمرير الصفقة وحتى إعلانها تتراجع وتقل بسبب الموقف الفلسطيني.
وآخر ما أظهر حقيقة تراجع الموقف الأميركي هو رد ترامب شخصياً على ما أعلنه نتنياهو شخصياً من أن نقل السفارة سيكون هذا العام بقوله: إن ما كان أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية للصحافيين المرافقين له في زيارته للهند، ليس صحيحاً.
رغم ذلك، فإن واشنطن اتخذت قراراً غير مسبوق بحجب أموال دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، كذلك تواصل التصعيد ضد إيران كما تريد إسرائيل تماماً، ولأنها تعتمد في "صفقة القرن" على حاجة الخليج الماسة لها، لذا فإنها لا تجد نفسها مضطرة لتقديم التنازل في الملف الفلسطيني حتى تنظم عقد التحالف الأمني العربي/الإسرائيلي ضد إيران، وهذا يعني أن مفتاح الحل والصراع بات باليد الفلسطينية فقط، لذا فإن العام 2018 والذي كان يمكن أن يكون عام زوال الاحتلال عن الأرض الفلسطينية بات هو عام إدارة الصراع على القدس، لأن القدس هي مفتاح الحل والربط أولاً وأخيراً.