بقلم : رجب أبو سرية
بغض النظر عن جوهر أو تفاصيل ما سيسفر عنه اجتراح المعجزة في البيت البيض، تلك المسماة بصفقة القرن، فإن ما يهمنا _نحن الفلسطينيين_ هو ذلك الجزء الخاص من الخطة الذي يتعلق بحل الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي الذي تمحور منذ ما بعد العام 1967، على الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة منذ ذلك العام، وبهذا الخصوص، فقد بدأت تتضح الكثير من معالم ذلك الحل، استناداً إلى ما تعلنه أكثر من جهة، أو ما تقوم بالإفصاح عنه، غير قناة أو مؤسسة إعلامية، منها ما هو محايد وله تاريخ عريق بالعمل الصحافي، كما هو حال "لوفيغارو" الفرنسية التي أعلنت قبل أيام معالم الخطة الأميركية الخاصة بحل ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي.
ويبدو أن باريس باتت على علم بما هو وراء كواليس البيت الأبيض بهذا الخصوص، خاصة بعد أن تحدثت بعض الأوساط الفلسطينية، بمناسبة زيارة الرئيس لأوروبا لموازنة الموقف مع واشنطن، وبمناسبة مؤتمر دافوس، عن وجود اقتراح فرنسي للحل، يستجيب إلى الإعلان الفلسطيني بعدم تمتع الولايات المتحدة بدور الراعي التفاوضي، لذا فإن لوفيغارو قد تكون فعلاً حصلت على صورة حقيقية لما يتبلور الآن في البيت الأبيض من تصور للحل.
لكن بغض النظر عما يعلن هنا وهناك، فإن ما تقوم به واشنطن من قرارات وما تتخذه من سياسات خاصة بالشأن الفلسطيني، هو الذي يوضح فعلياً وعملياً وبشكل لا غبار عليه ما باتت على قناعة به إدارة دونالد ترامب فيما يخص هذا الملف السياسي.
أولاً: لا بد من القول بأن إدارة ترامب، باتت تنتهج سياسة مختلفة عن الإدارات الأميركية السابقة، الديمقراطية منها والجمهورية، فحتى قبل أن يدخل ترامب البيت الأبيض رسمياً، كان أعلن عدم قناعته بحل الدولتين، وكان تراجع عن اعتبار المستوطنات عقبة في طريق الحل، ولم يتحدث عن كونها غير شرعية كما فعل أسلافه.
ثانياً: بعد فترة أولى فقط، استخدم فيها حق الفيتو تجاه قرار الكونغرس المتخذ عام 1995 الخاص بنقل السفارة الأميركية للقدس، قام عشية الفترة الثانية بتمرير القرار، بل وأرفقه بإعلان اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في خطوة معاكسة لكل الرؤساء الذين سبقوه منذ اثنين وعشرين عاماً، أي كل من بيل كلينتون، جورج بوش الابن، وباراك أوباما.
ثالثاً: قامت بلاده بشن حرب انسجاماً مع رغبة بنيامين نتنياهو على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا " بهدف تجفيف وإزالة المخيمات الفلسطينية من الوجود.
رابعاً: قامت بلاده مؤخراً بالسعي إلى إغلاق مكتب م ت ف من واشنطن، كذلك بحجب أموال الدعم التي تقدمها للسلطة الفلسطينية منذ أوسلو، ودعمها لأجهزة الأمن التي تقوم بوظيفة التنسيق الأمني وحماية السلطة في الوقت ذاته.
خامساً: بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يعلن رغبته في أن تعلن الإدارة الأميركية وبأسرع وقت ممكن اقتراحها للحل، لأنه يعلم طبيعته وجوهره، وهو قبل الخوض في التفاصيل، ومع الإجراءات المذكورة، التي أكدها أكثر من مسؤول عربي، قد أخرج كلاً من القدس واللاجئين من دائرة التفاوض قبل بدئها!
هذا ما أكده الملك عبد الله الثاني لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على هامش دافوس بباريس، فيما يخص توطين الفلسطينيين وفق خطة ترامب، ودون توفير المال اللازم للدول المضيفة، وهذا ما أكده خطاب ترامب قبل يومين حول حالة الاتحاد حيث أكد إعلانه تجاه القدس، والأخطر هو أن الخطة الأميركية ستوضع على الطاولة الإقليمية للتنفيذ دون نقاش، وحيث أنها مقبولة تماماً مع اليمين الإسرائيلي، فسوف يجبر عليها العرب، بالقول: إن على الجميع قبولها وتنفيذها بما في ذلك إسرائيل، لتسهيل إقامة التحالف الأمني ضد إيران.
بالعودة إلى مقترح الحل حسب "لوفيغارو" فإن خطة ترامب التي تنقسم لمرحلتين، تتحدث في المرحلة الأولى عن اعتراف بالدولة الفلسطينية بعاصمة لها في "أبو ديس" البلدة الفلسطينية القريبة من القدس، وبمساحة 38% من الضفة الغربية، وتشمل قطاع غزة.
ثم تبدأ المرحلة الثانية بمفاوضات بين الجانبين للتوصل لحل فيما يخض قضايا الحل النهائي، أي أن الخطة تبدأ بفرض الدولة المؤقتة أو الدولة بالحدود المؤقتة، ثم تفتح إلى تفاوض لا نهائي، ومثل هذا التصور كان قد طرح كثيراً في السابق ورفضه الجانب الفلسطيني.
فكثيراً ما أعلنت شخصيات إسرائيلية وقبل سنوات عديدة انسحاباً من 40% من الضفة الغربية وإعلان دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، تفاوض إسرائيل كدولة، وهذا يعني أن نسبة الـ 40% لا تتيح مجالاً للتواصل بين مناطق السيطرة الفلسطينية، من جهة ومن جهة ثانية، لا تفرض إزالة أي من المستوطنات، بما في ذلك العشوائية منها، التي أقيمت لأهداف التكتيك السياسي المحض، وبالجوهر، هذا يؤبّد على الأرض الحكم الذاتي، أو "الدولة الفلسطينية" على شاكلة إندورا، أو إقليم كردستان العراق أو حتى كتالونيا/إسبانيا!
أُسس المقترح الأميركي إذاً تكون بذلك قد خرجت من معطف الليكود، الذي يحوم حول هذا التصور منذ أكثر من أربعين عاماً، أي منذ كامب ديفيد بين أنور السادات ومناحيم بيغن، ولا يخرج عن حدود الحكم الذاتي الفلسطيني، لأنه بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية بهذا الشكل وعلى هذه الحدود، سيتحول التفاوض لاحقاً إلى نزاع حدودي بدلاً من كونه صراعاً على أرض محتلة مع اعتراف دولي بكونها محتلة منذ العام 1967، أي أن القبول الفلسطيني بهذه الخطة لا يعني نزع أوراق القوة التفاوضية وحسب من يده، بل أيضاً نزع صفة الأرض المحتلة عن 60% من أرض الضفة الغربية، فضلاً عن قبول الإعلان الأميركي الخاص بالقدس، بل وقبول إخراج القدس واللاجئين من دائرة التفاوض، أي قبول فرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليهما.
المصدر : جريدة الأيام