بقلم : رجب أبو سرية
حسم الحزب الديمقراطي الأميركي أمره مبكراً، واختار نائب الرئيس السابق باراك أوباما، جو بايدن ليكون مرشحه لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات القادمة، التي ستجري في الثاني من تشرين الثاني المقبل، ليزيد بذلك الضغط على الرئيس/ المرشح عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، الذي سيواجه معركة حادة، ربما لا نبالغ لو قلنا، بأن الانتخابات الرئاسية ما بين رئيس مرشح ومرشح عن الحزب المنافس لم تشهد لها مثيلاً منذ عقود خلت.
وكما هو معروف في تقاليد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تكون معركة الرئيس المرشح أسهل بكثير من معركته الأولى، ولعل خير دليل على ذلك، هو انه لم يخسر رئيس مرشح انتخابات الولاية الثانية، منذ نحو ثلاثين عاماً، حينما خسر الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب العام 1992، أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون، في حين فاز كل الرؤساء لاحقا: بيل كلينتون، جورج بوش الابن، وباراك أوباما.
الغريب في الأمر هو أنه على عكس التقدير الذي يشير إلى أن السياسة الخارجية لا تعني الناخب الأميركي كثيرا، إلا أنها كانت سببا في خسارة جورج بوش الأب انتخابات العام 1992، رغم انه كان قبلها بقليل قد ربح الحرب الباردة، وخاض بنجاح حرب الخليج ضد العراق، وحرر الكويت من احتلاله لها، فيما يواجه الرئيس الجمهوري الحالي خصمه في ظل إخفاقات في السياسة الخارجية، التي كان جعل منها مادته الدعائية، ضد سياسة سلفه باراك أوباما، لكنه خلال ثلاث سنوات ونصف من قيادته لأقوى دولة في العالم، وعلى عكس من سبقه من رؤساء، خاضوا مواجهات مع جماعات سياسية، فان ترامب خلق لبلاده مشاكل وخصومات مع دول وليس جماعات، في كافة أرجاء المعمورة .
صحيح أن المقارنة الشخصية بين ترامب وبايدن، ربما تكون لصالح الرئيس المتوج بهالة الرئاسة، خاصة وأن بايدن العجوز، لا يظهر حيوية كما كان حال الرؤساء الديمقراطيين السابقين، من جيمي كارتر إلى باراك أوباما، مرورا ببيل كلينتون، وكانوا كلهم شبانا مقارنة ببايدن وحتى ترامب، لكن ما أظهره الحزب الديمقراطي من حيوية في مواجهة ترامب في الكونغرس خلال سنواته التي مضت في البيت البيض، يعدل الكفة، خاصة وأن الحزب الجمهوري بالمقابل، لا يظهر موحدا كما هو حال الحزب/الخصم، ولا بنفس القدر من الحيوية والتأثير على الجمهور .
لابد هنا من الإشارة، إلى أنه وقبل أقل من خمسة شهور من يوم الاقتراع الانتخابي، لم تدخل حملة الانتخابات بعد صخبها الانتخابي المعهود أو حتى المتوقع، وربما كان السبب يعود إلى الانشغال الداخلي بتداعيات كورونا، إضافة إلى استمرار الاحتجاج الشعبي على مصرع جورج فلويد، المواطن من الأصول الأفريقية على يد الشرطة البيضاء. وهذان العاملان _بالمناسبة_ كانا عاملي سلب لقوة الرئيس ترامب الانتخابية، ذلك أن الأولى قد قوضت منجزه الاقتصادي، فيما جاءت الثانية لتفصح عن الخطر المحدق بوحدة الدولة الفدرالية الداخلية، بسبب من تحريض ترامب على الكراهية، ضد الأعراق الملونة، والأقليات العرقية من مواطني الدولة.
ومع تزايد الاهتمام الدولي بانتخابات الرئاسة الأميركية، خاصة منذ انتهاء الحرب الباردة، وقيادة الولايات المتحدة للعالم، فان هذه الجولة الانتخابية _بتقديرنا_ ستشهد اهتماما أعلى، نظرا لما خلقه وجود ترامب في البيت الأبيض من مشاكل للكثير من الدول في العالم، بما في ذلك جيران وحلفاء الولايات المتحدة، حيث يكاد المرء أن يقول بثقة، بأن ترامب قد ابتعد ببلاده عن الجميع، باستثناء إسرائيل.
ملخص القول، هو أن بقاء ترامب في البيت الأبيض، ليس مضمونا، بل أنه احتمالات مغادرته منصب الرئيس أكثر من احتمالات بقائه فيه، لذا من المهم جدا بالنسبة لكل الدول التي لها ملفات ما زالت مفتوحة مع أميركا، أو بتأثير أميركا، ومنها نحن الفلسطينيين، الذين تجند ضدنا الرئيس الأميركي إن كان في قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعترافه بالمدينة المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أو بالضغوطات السياسية والمالية المتواصلة، كذلك بالانحياز التام لجانب إسرائيل وسياساتها العدائية ضد فلسطين، وصولا إلى صفقته التي تطابقت تماما مع برنامج اليمين الإسرائيلي وتجاوزت القانون الدولي، بل حتى الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع فلسطين برعاية وضمانة دولة الولايات المتحدة نفسها، التي رعت احتفال توقيع إعلان المبادئ.
ليس فقط إذاً الشعب الأميركي الذي يتظاهر في الشارع، ولا الحزب الديمقراطي فقط هم المعنيون بخروج ترامب من البيت الأبيض، بل إن دولاً وشعوباً كثيرة تتمنى ذلك، ولا نغالي لو قلنا بأن ليس الصين، فنزويلا، إيران وفلسطين فقط من تمني النفس بطي صفحة سياسة التشدد والتعنت والكراهية، لكن حتى الاتحاد الأوروبي، الذي اضطر أكثر من مرة لمفارقة الموقف الأميركي في أكثر من مناسبة، وآخرها الصفقة التي فتحت الباب لبنيامين نتنياهو لإعلان ضم الضفة الغربية .
لذا فان مواقف بايدن والخطوط العامة لبرنامجه السياسي تبدو مهمة لجهة تتبعها، منذ اليوم، وهي في كل الأحوال، وخاصة في ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، مختلفة تماما عن سياسة ترامب، ولعل هذا الاختلاف كان بيِّنا، حين سمحت واشنطن لمجلس الأمن بتمرير القرار 2334 الخاص بالمستوطنات، وذلك في 23 كانون الثاني العام 2016 وكان ترامب حينها معلناً كفائز بمنصب الرئيس.
من المتوقع أن يركز بايدن على فساد إدارة ترامب، وعلى بثها الكراهية، كذلك استغلال كورونا والتظاهرات، وهو قد بدأ حملته بالتندر على طريقه خصمه، الذي يكثر من الظهور الإعلامي عبر «تويتر» بإطلاقه لقب الرئيس التويتي على ترامب، وهكذا يمكننا القول، إن «انسحاب» الولايات المتحدة من الخارج قد بدأ مع انطلاق عجلة الانتخابات، التي ستكون طاحنة، ومهمة وحاسمة، لدرجة تتشكل معها صورة النظام العالمي في مرحلة ما بعد القيادة الأميركية الوحيدة والمنفردة له.