بقلم :رجب أبو سرية
لو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تسلّمت الحكم، مطلع العام الحالي، في ظل وجود المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية، لتحملت مسؤولية الاستمرار بها، ولو أن توقف المفاوضات، قبل أكثر من ثلاث سنوات، قد دفع العلاقة بين الجانبين إلى الانهيار، أو إلى فصل من فصول المواجهة الدامية، كما حدث عام 2000 مثلاً، بعد فشل كامب ديفيد بين الرئيس الراحل ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه أيهود باراك برعاية الرئيس الأميركي في آخر أيام ولايته بيل كلينتون، لسارع البيت الأبيض بساكنه الجديد إلى التدخل، وجمع الطرفين على طاولة واحدة.
لكن وحيث إن كل ذلك لم يحدث، بل إن المفاوضات توقفت تماماً، بعدما لم تحقق شيئاً خلال عشرين عاماً، في عهد باراك أوباما، الذي أصدق النية والنوايا لتحقيق اتفاق والتوصل لحل من خلال المفاوضات بين الطرفين خلال أكثر من ولاية ونصف الولاية، لقيادته الولايات المتحدة ما بين عامي 2008_2016، فإن ترامب ما لم يضمن _سلفاً_ تحقيق نتائج سهلة وحتى مجانية، فإنه لن يكون معنياً بدخول "عش الدبابير" وتضييع وقته في "خض الماء"، وكيف لذلك أن يتحقق والجانب الإسرائيلي، ليس مضطراً ولا يريد أن تنطلق العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، لأنها تطالبه بانسحاب، وبتقديم تنازلات وبتراجع عن الوضع الحالي
وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر، وليس هناك من أفق فلسطيني يوحي بأنه يمكن أن يحصل الجانب الإسرائيلي على "مكافأة" أو ما يغريه للإقدام على هذا الأمر، خاصة وأن "ضغطاً" فلسطينياً ميدانياً لم يحدث، اللهم إلا قبل نحو عامين حين اندلعت هبة السكاكين التي نجح الاحتلال في احتوائها؛ نظراً لعدم توحد الفلسطينيين وراء الهبة وعدم إسنادها بدعم لوجستي وبتشكيل قيادي موحد، فيما يبدو الظفر بالقدس _ خاصة المسجد الأقصى _ أمراً بعيد المنال، فيما يرفض الجانب الفلسطيني الإقرار بيهودية دولة إسرائيل.
أي باختصار، ما من أفق حقيقي لإطلاق المفاوضات، لأن كلاً من ترامب ونتنياهو غير معنيان بالبعد الإستراتيجي للحل، وهما ليسا من طينة الزعماء التاريخيين الذين يصنعون السلام لتحقيق مستقبل بعيد لشعوبهم ودولهم، بل هما محكومان بإرادة الناخب، خاصة على الجانب الإسرائيلي، فيما "برغماتية" ترامب المطلقة تجعله يحسب كل قرار بحجم المردود المالي الذي يضعه في خزينة الدولة!
هكذا يبقى الحال على حاله، وقد ولى الزمان الذي كانت فيه القيادة الفلسطينية تجلجل الدنيا بمواقفها وقراراتها، انتهى تدخل الأمم المتحدة، ولم يعد من وجود للاتحاد السوفياتي، وحين يحدث فراغ جراء "انسحاب" واشنطن من ملف ما، فسرعان ما تندفع أكثر من دولة لملء الفراغ، ليس على حساب الدولة الأعظم في العالم، بل كمكمل لها، وكمقدم خدمة لها، كما فعلت فرنسا/ هولاند العام الماضي وقدّمت مبادرة لإطلاق حراك خاص بالملف الفلسطيني/الإسرائيلي حين كانت الولايات المتحدة منشغلة بالانتخابات الرئاسية.
لكن ورغم عقد البند الأول المتمثل بلقاء دولي في باريس، لم يحدث شيء وتوقفت فعاليات المبادرة الفرنسية عند تلك الحدود، وكل الحديث اللاحق عن مبادرات إقليمية، ما كان الهدف منه إلا النوايا الطيبة أو احتواء احتمالات انفجار الموقف الميداني.
الآن، تطل من النافذة الشرقية البعيدة، المبادرة الصينية التي يتحدث عنها المسؤولون الفلسطينيون كثيراً هذه الأيام، رغم أنها ليست جديدة وقد طرحت من قبل وبالتحديد عام 2013، أي قبل أن ينطلق ومن ثم يتوقف آخر فصل تفاوضي بين الطرفين، وسميت بمبادرة الحزام والطريق، أي أنها رسمت الطريق التفاوضي على أساس أن يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يحاط الحل بحزام إقليمي وحتى دولي، جوهره اقتصادي، لتعزيز التنمية والتقدم والازدهار في المنطقة.
أما لماذا يعاد طرح المبادرة مجدداً للتداول، فذلك كان بمناسبة زيارة الرئيس محمود عباس لبكين، الشهر الماضي، ودعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال تلك الزيارة لعقد ندوة عالمية للسلام، خلال هذا العام، إضافة إلي تشكيل لجان ثلاثية (أي تضم فلسطين وإسرائيل والصين) سياسية واقتصادية لمناقشة جميع الملفات.
السؤال هنا، هو كيف لإسرائيل التي ترفض انطلاق مفاوضات برعاية حليفتها الأهم في العالم _الولايات المتحدة_ أن تقبل انطلاق مفاوضات برعاية دولة أخرى مثل الصين، والجواب هنا يشير إلى أن الحديث عن المبادرة الصينية القديمة_الجديدة يأتي من باب الضغط الفلسطيني تجاه واشنطن عبر القول بوجود بدائل في ظل استحالة دفع الأمم المتحدة لأن تكون راعي التفاوض، وفي ظل عدم اهتمام الرباعي الدولي، كذلك في كون المبادرة الصينية تستند إلى المغري الاقتصادي، فهي من جهة تمس ما يداعب أحلام الفلسطينيين من الجوهر السياسي للحل، ومن جهة أخرى تمس ما يحلم به الإسرائيليون من حل يقترب من الحل الاقتصادي.
كذلك تستند إلى ما تمثله الصين من تعاظم في القوة الاقتصادية في العالم والمنطقة، ومن تزايد في التأثير، ومن علاقة جيدة بالطرفين، ومن طرح الراعي كشريك دائم في تنفيذ وحماية الحل من السقوط أو الفشل، بعد التوصل إليه، مع ذلك فإن عدم اهتمام الجانب الإسرائيلي يعتبر رداً، ولأن السلام مثل الزواج، لا يتم إلا برضا الطرفين، فإن القيادة الفلسطينية تريد القول: إنها تبحث عن السلام في أي مكان، وتطلبه حتى لو كان في الصين.