بقلم :رجب أبو سرية
لولا أن المجلس المركزي الفلسطيني، الذي يعتبر الهيئة الثانية في الأهمية، بعد المجلس الوطني، في م ت ف ، التي يفترض أنها- رغم أن واقع الحال يقول غير ذلك- أهم مؤسسة سياسية فلسطينية، بل هي بمثابة دولة فلسطين في المنفى، نقول: لولا أن المجلس المركزي ينعقد بين الفينة والأُخرى، لما تذكر احد ربما (م ت ف) أو انه لاحظ أن لها دوراً في العمل السياسي الفلسطيني، ذلك أن اللجنة التنفيذية، وهي بمثابة "حكومة" المنظمة، وهي هيئتها التنفيذية تعقد اجتماعاتها بانتظام، ورغم ذلك فإن أحداً لا يهتم بقراراتها.
ربما نفس المنطق يمكن أن ينطبق على حكومة السلطة ذاتها، حيث تبدو القرارات الرئاسية، وربما حركة ومواقف الخارجية الفلسطينية أكثر تأثيراً، وتثير الاهتمام، بما يعني بأن السياسة الرسمية الفلسطينية الفعالة، باتت مرتبطة بما تقوم به من تصد ومواجهة للعدو الإسرائيلي.
المهم في الأمر، أن جلسة المجلس المركزي التي ستنعقد بعد أسبوع من الآن، وبعد نحو شهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، يبدو أنها ستنشغل بهذا الإعلان أكثر من أي شيء آخر، رغم أن قضايا الساحة الفلسطينية عديدة، وبحاجة إلى تصويب في الكثير من الجوانب .
وفي الحقيقة، فإن جدول أعمال الجلسة القادمة المعلنة حافلة بالبنود، وهذا يدل على أن عدم الانعقاد الدوري لكل من المجلس الوطني ومن ثم المركزي، من شأنه تكديس ما هو مطلوب من قرارات ومواقف، باتت مطلوبة من الهيئة الجامعة للكل الفلسطيني، ولعل ما يدفع الجميع للتمسك بمنظمة التحرير
ومؤسساتها على الرغم من أن السلطة ومنذ ربع قرن زاحمت المنظمة في المكانة والدور والوظيفة، هو أن (م ت ف) هي إطار جامع للكل الفلسطيني، ليس بانقساماته السياسية -الفصائلية وحسب، ولكن بتقسيماته الجغرافية، لذا فإنه كلما اتخذت خطوة على طريق تفعيل وتعزيز دور (م ت ف) فإن ذلك يعني بأن كفاح الشعب الفلسطيني لا يتوقف عند حدود الأرض المحتلة منذ عام 1967، ويتجاوز إقامة الدولة المستقلة على حدودها، فتطوير السلطة وتعزيزها بالكفاح الوطني، يمكن أن يؤدي إلى تلك الدولة، لكن بقاء (م ت ف) يعني أن يضاف إلى ذلك، على الأقل حق العودة.
مهمٌ إذن انعقادُ المجلس من حيث المبدأ، ومهمٌ أيضاً أن يتخذ قرارات حازمة تجاه الإعلان الأميركي وما تلاه من مواقف وقرارات إسرائيلية خاصة بالقدس، وبمن يقاوم الاحتلال، اتخذتها الحكومة، أو خاصة بضم الضفة الغربية، اتخذها الليكود مؤخراً، لكن الأهم _برأينا_ هو أن يفتح انعقاد المجلس المركزي الباب ليس فقط لمراجعة كل ما تلا أوسلو، ولكن فتح الباب أمام مرحلة كفاحية جديدة، بات لا بد منها، لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المعلنة بحدها الأدنى.
أولاً وقبل كل شيء، لا بد أن يتم التأكيد على إعادة تفعيل (م ت ف) وإعادة الاعتبار لها، كبرنامج يقول إن حقوق الشعب الفلسطيني تتجاوز إقامة سلطة الحكم الذاتي، وحتى تتجاوز إقامة الدولة المستقلة، وحل الدولتين، وكأداة، من خلال رص الصفوف، وضم كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمركزي والوطني والتنفيذية ولكل مؤسسات م ت ف.
هنا مربط الفرس، حيث هناك فرق بين أن يتم اللجوء الموسمي للمجلس المركزي، وبين أن ينعقد "المركزي" من أجل اتخاذ قرار صريح بتشكيل مجلس وطني جديد، هدفه دخول "حماس" و"الجهاد" وتجديد الحياة والدماء في المنظمة التي مر على آخر دورة عادية لانعقاد مجلسها الوطني نحو عشرين عاماً!
أما الدعوة لحضور كل من "حماس" و"الجهاد" جلسة المركزي، فهي مهمة من أجل أن يفتح حضورهما بوابة الأمل بالسير على طريق الوحدة الوطنية، لكن هذا الحضور الذي بالتأكيد لن يكون مقرراً فيما يتخذ المجلس من قرارات، لن يكون كافياً، حتى للحركتين من أجل اتخاذ القرار بالحضور.
وبالفعل فإن الحركتين ردتا على الدعوة الموجهة إليهما بحضور جلسة "المركزي" بدعوة المجلس إلى أن يتخذ قراراً بسحب الاعتراف بإسرائيل والذي جاء في الرسائل المتبادلة بين الراحلين ياسر عرفات واسحق رابين، قبل التوقيع على أوسلو كرد على إعلان ترامب وعلى القرارات الإسرائيلية الأخيرة، وكذلك إعلان فشل أوسلو بما يتضمنه من تنسيق أمني.
لا بد من أن يكون انعقاد المجلس المركزي إذن خطوةً أولى في سلسلة خطوات داخلية، هدفها هو إحياء (م ت ف) لأن السلطة لم تعد كافية لأن تنجز هدف إقامة الدولة المستقلة، أي أن المراجعة التي أعلن عنها في جدول الأعمال، يجب أن يكون معلوماً لحركتي حماس والجهاد مآلها، وأن الشراكة السياسية لا تكون من خلال دخول الحركتين طابور الاصطفاف الوطني، في الأُطر القائمة، وحول القيادة الحالية، كما هما دون تغيير أو تجديد .
ولعل إشارة الناطق باسم "حماس" إلى ضرورة عقد الإطار القيادي، يظهر أن "حماس" تبدي مرونة غير مسبوقة، في كل ما يخص الملفات الداخلية، من المصالحة، إلى إنهاء الانقسام، والى كيفية بناء الجبهة الوطنية المتحدة.
لا ندري لماذا كل هذا التلكؤ والتردد، في إطلاق كل مفاعيل القوة لدى الشعب الفلسطيني، والتي لو أطلقت ستكون قادرة، إن لم يكن بتحقيق النصر قريباً، فبوقف حالة التدهور والتنمر التي تبديها إسرائيل تجاهنا ومعها الولايات المتحدة، يبدو أن السبب بكل بساطة هو وجود أداة سلطوية تشكلت وفق مسار أوسلو وبالعلاقة مع إسرائيل وفي سياق التنسيق الأمني معها، باتت لها مصالح خاصة،لا تنسجم مع المصالح الوطنية العليا، متلازمة مع ترهل وشيخوخة في مؤسسات (م ت ف) لا بد من ظهور قوة الشباب في الشارع لتضع حداً لهما، حتى تنفتح أبواب النصر أمام الشعب الفلسطيني، لذا فان جلسة "المركزي" ستشكل فاصلاً، فإما تعلن الفصل والانفصال عن إسرائيل، أو تكون لالتقاط الصور وللذكرى فقط.