بقلم : رجب أبو سرية
تحل الذكرى السنوية السابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، دون أن يتغير في أحوال مصر أو في أحوال العرب الشيء الكثير، بل إن البعض يشير إلى أن الأمور قد صارت أسوأ مما كانت عليه الحال قبل ذلك الـ"يناير" من العام 2011.
ورغم أن شرارة ما عرف بالربيع العربي، وقد سمي هكذا، رغم أن الحراك الشعبي حدث في فصل الشتاء، إشارة إلى العرب بثورتهم الشعبية التي تستهدف النظام المستبد، أعلنوا الدخول في ربيع العمر أو ربيع الحياة العصرية، نقول: رغم أن شرارة الربيع قد انطلقت في تونس، ونجحت سريعاً في إسقاط نظام زين الدين بن علي، قبل أن تنتقل إلى مصر، فإن اعتبار الخامس والعشرين من يناير_ يوم اجتمعت الجماهير الشعبية في ميدان التحرير ولم تخرج إلا بعد أن أعلن تخلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن السلطة بعد ذلك بنحو ثلاثة أسابيع_ يوماً فاصلاً، فإنما يعود إلى مكانة مصر كبلد محوري ومركزي في العالم العربي.
وفي تقدرينا، ونظراً لأهمية مصر للعرب جميعاً، فإنه لا يمكن للمناسبة أن تمر مرور الكرام دون التوقف أمامها، ومراجعة شريط السنوات السبع لتأمل ما حدث خلالها، لاستخراج العبر، وإدراك كنه وجوهر المجتمع العربي، الذي كان قد خرج، في ثورة شعبية، هي الأولى من نوعها، بما يشير إلى السير على طريق انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى، التي ربما كانت إرهاصة هذا الربيع، بغض النظر عن أطراف وأهداف معادلتي الانتفاضة والربيع العربي.
أولا وقبل كل شيء، لا بد من ملاحظة أن تجربة الربيع العربي قدمت نموذجين مختلفين: الأول كان ذا طابع شعبي سلمي احتجت فيه الجماهير بالملايين على النظام وطالبت بإسقاطه، وكان هذا النموذج قد تحقق في كل من تونس ومصر، أما النموذج الثاني فقد كان دموياً، حدثت فيه مواجهة عسكرية بين النظام والمعارضة، وظهر هذا في كل من ليبيا، اليمن وسورية.
في النموذج السلمي، كان من شأن رفع يد الغرب عن حليفيهما، أن يسقطا سريعاً، الأول بعد أيام والثاني بعد أسابيع، لتدخل كل من تونس ومصر في عملية انتخابية حرة، نجم عنها وصول "الإخوان" في كلا البلدين لسدة الحكم. وفي الثاني كان من شأن اللجوء للعنف أن سقطت ضحايا كثر، وتدخلت قوى خارجية في كل من ليبيا واليمن وسورية، ما أدى إلى دمار هائل، وتفتيت البلاد وفقدان وحدتها السياسية، وإذا كان رأسا النظامين في تونس ومصر لم يتعرضا للقتل، فإن رأس النظام الليبي قد قتل بشكل بشع، كذلك حدث لاحقاً لرأس النظام اليمني.
ثانياً تم قصر فتح المجتمع العربي على دول بعينها دون أخرى، فقد تم إغلاق الأبواب في وجه الربيع العربي، في دول الخليج الست، كذلك الدول الملكية، وتم احتواء الأمر في تونس ومصر حيث كان النظامان مواليين للغرب، بإخراج رأسيهما من الحكم، أما في الدول التي كانت أنظمتها تعادي الغرب (سورية وليبيا وإلى حد ما اليمن ومن قبلها العراق) فتم قتل زعمائها والتدخل الأجنبي فيها بعد جرها لحروب داخلية.
ثالثاً: يبدو أن الخطة كانت تستهدف الدول المركزية، فبعد العراق تم تدمير سورية وتفتيت ليبيا واليمن، فيما يتم استنزاف مصر أمنياً والسعودية مالياً.
رابعاً: يبدو أن ما دفعته المجتمعات العربية من دمار وتفتيت وشل للقدرة على مواجهة الأطماع الإقليمية التي لا تتوقف عند حدود إسرائيل، بل وتشمل أيضاً كلاً من إيران وتركيا، كان ثمناً مؤجل الدفع كنتيجة لانتهاء الحرب الباردة، حيث بعد أن انتصر الغرب بقيادة أميركا، سارع إلى السيطرة السياسية على أوروبا الشرقية، وكان الشرق الأوسط هو الحلقة التالية، التي تم تأجيلها خوفاً من وصول الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها "الإخوان المسلمين" للحكم، لكن بعد أن وصل الإسلاميون للحكم في تركيا، بالشراكة مع المؤسسة العسكرية، وفي ظل وجود تركيا ضمن حلف الناتو، وعلى علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، وارتباط الإخوان بها وليس بإيران، تشجع الغرب، للأقدام على الخطوة، دون أن يدرك أن الفوضى لن تكون خلاقة ليس فقط للمجتمع العربي ولكن له أيضاً.
خامساً: رغم أهمية الدخول الشعبي على مسار السلطة، بل ودخوله غرفة نومها ومطبخها، وذلك لأول مرة، ورغم تحطيم جدار الخوف الشعبي من أجهزة الأمن ومن جبروت نظام الاستبداد، إلا أن البدائل كانت سيئة جداً، ففي تونس ومصر وصل الإخوان للحكم، وسرعان ما أظهروا نيتهم لإقامة النظام الشمولي المستبد، الذي يتراجع عن كل مظاهر الحداثة المدينية، والذي يبشر بإقامة نظام الخلافة، الذي لا مكان فيه للتعدد ولا للمعارضة، فكان أن نجح الشعب مجدداً في إسقاطهم في تونس ديمقراطياً وعبر الانتخابات المبكرة، فيما اجترح في مصر طريقاً عبقرية عبر حجب شعبي للثقة، استند في تنفيذه على وطنية المؤسسة العسكرية .
فيما كان في ليبيا أسوأ بكثير حيث تفتت البلاد، وخضعت لسلطات جهوية متعددة، حيث أعلنت الإمارات الدينية في أكثر من مكان، أي أقيم نظام مليشيات عسكرية متطرفة، هدد ليس فقط وحدة ليبيا بل أيضاً جارتها مصر، وفي اليمن لم يكن الحال أفضل حيث فشلت محاولة الخليج إخراج عبد الله صالح من الحكم بشكل سلمي، حيث عاد مع الحوثي ليقود البلاد لحرب أهلية وخارجية طاحنة، وفي سورية ظهر "داعش" و"النصرة"، إلى جانب تدخل "حزب الله" وإيران وروسيا، ثم أميركا وتركيا، بما لا يدع مجالاً للشك في أن المجتمع العربي ما زال بحاجة لثورة مستمرة، لكن الثورة هي غير الاحتجاج والتمرد، ولا تكون بممارسة الغضب.
المجتمع العربي بحاجة إلى ثورة في كافة المجالات، تقودها ثورة إنتاجية بالأساس، تقوم بالتغير بشكل حثيث ومتتابع ومتواصل، في كافة مناحي الحياة، فالمشكلة بنيوية، ولا تقتصر على النظام السياسي المستبد، فالنظام الاجتماعي مستبد والاقتصادي والثقافي مستبد أيضاً، لا بد من أن تكون الثورة شاملة، وبالاعتماد على تطوير الذات واجتهادها، ذلك أن الغرب والخارج حين يدخل للمجتمع العربي فإنما من أجل تحقيق أهداف خاصة، له بالسيطرة وسرقة الثروات الكثيرة والمتعددة، وليس من أجل الفضيلة أو تحقيق العدالة السياسية أو الاجتماعية.
نقلًا عن جريدة الأيام