بقلم : رجب أبو سرية
لعلها المصادفة وحدها هي التي جعلت مجرد أيام قليلة فقط تفصل بين ما ينوي إقليما كردستان العراق وكتالونيا أجراءه من استفتاء شعبي على انفصال الإقليمين اللذين يتمتعان بالحكم الذاتي، الأول ضمن دولة العراق التي أعلنت فدرالية بعد صدام حسين، والثاني ضمن مملكة إسبانيا، وإذا كان الأول يقع في الشرق الأوسط حيث ما زالت نيران الحروب الداخلية، التي نجمت عن فتح بعض مجتمعاته، ضمن ما سمي الربيع العربي، بهدف إسقاط أنظمة حكم الفرد المستبد، ما يعني صب الزيت على النار، لتأجيج الحريق المشتعل منذ سنوات أو حتى عقود في الشرق الأوسط، فإن الثاني يقع في جنوب غربي القارة العجوز، الهادئة التي لم تعرف الحروب أو الصراعات الداخلية العنيفة منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن ليس الصدفة هي ما تجمع الطريقة التي يلجأ إليها شعبا الإقليمين للحصول على الاستقلال، بدءا من إطلاق وصف "الاستفتاء على الاستقلال" وليس الاستفتاء على الانفصال، كما يطلق معارضو أجراء الاستفتاء الشعبي في كلا الإقليمين، ونعني بذلك الطريقة الديمقراطية التي تتناسب ولغة عصر ما بعد الحرب الباردة.
أما ما يجمع بين المشهدين فهو بالتأكيد أكثر من المدخل المتبع للحصول على، أو نيل الاستقلال لكل من كردستان/ العراق وكتالونيا/ إسبانيا بعد سنوات من الحكم الذاتي، فأولا يجري الاستفتاء هنا والاستفتاء هناك دون توافق أو اتفاق مع الدولة المركزية، بل وفي ظل معارضة شديدة، قد تحمل في احدهما أو كليهما، شكل المواجهة المسلحة، ثم ثانيا، ورغم انه من حيث المبدأ يعتبر حق تقرير المصير حقا مشروعا لكل شعوب الأرض، إلا أن تطبيقه في كلا الحالتين، لا يقابل بالدعم أو التأييد ــــ العلني على الأقل ــــ من معظم دول وحتى شعوب الجوار، بل ومن قبل معظم دول وشعوب العالم.
وبالنظر إلى ما جرى قبل بعضة شهور من "استفتاء شعبي" في بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنه قد لوحظ أن دول أوروبا المركزية ــــ ألمانيا وفرنسا ــــ كانت ضده، فيما شجعته الولايات المتحدة، بل إن الرئيس دونالد ترامب هلل لنتيجته التي جاءت مؤيدة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أي أن مواقف حلفاء بريطانيا من الاستفتاء لم يكن بدافع أخلاقي، بل منطلقا من دافع سياسي بحت.
والأخطر كان ما جرى قبل ذلك من استفتاء في اسكتلندا على الخروج أو البقاء ضمن المملكة المتحدة، حيث قرر شعب اسكتلندا البقاء بفارق بسيط.
هنا وفي استفتاء كردستان/ العراق وكتالونيا/ إسبانيا، ستكون النتيجة المعروفة، كما كانت عليها نتيجة استفتاء جنوب السودان، أي بموافقة أغلبية كبيرة على الانفصال والاستقلال، وهذا ما يفسر ردود الفعل سلفا.
ربما كان رد الفعل داخل إسبانيا أكثر مما هو خارجها، فلم تعلن أي دولة أوروبية حتى اللحظة موقفا معارضا أو صريحا ضد استفتاء كتالونيا، على عكس مواقف دول جوار العراق، فهناك موقف إقليمي وحتى دولي ضد استفتاء الأكراد، ويعود ذلك إلى كون الأكراد أنفسهم ليسوا قومية موجودة في العراق وحسب.
الشعب الكردي في حال نال استقلاله، فإن دولته التالية تبقى دولة داخلية، بمعنى أنها ليست لها شواطئ على بحار أو محيطات، لذا فهي بحاجة ماسة حتى تكون قابلة للحياة إلى وجود علاقات حسن جوار مع جيرانها، فمن هم جيران كردستان العراق؟!
كتالونيا لها مثلث حدودي له ضلعان بريان احدهما مع إسبانيا والثاني مع فرنسا والضلع الثالث مع البحر الأبيض المتوسط، لذا فهي في حال استقلالها ستتصل بالعالم الخارجي دون عناء أو مشكلة، أما كردستان العراق، فإنما هي جزء من ارض يعيش عليها الأكراد الموزعون على أربع دول هي: العراق، سورية، تركيا وإيران وكل هذه الدول ليست لها مصلحة في استقلال كردستان العراق، لما ينطوي عليه هذا من تحريض لأكراد كل بلد من الدول الثلاث الأخرى على الانفصال بدوره، ومن ثم توحيد الدول الكردية في دولة واحدة.
من المرات القليلة النادرة، خاصة في العقود الأخيرة التي نرى فيها إيران وتركيا وهما دولتان إقليميتان، تتوحدان جديا ومعا ضد انفصال أكراد العراق، ورغم أن أكراد العراق كانوا وما زالوا يراهنون على كونهم حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن خصمهم في هذا الملف، أي دولة العراق، إنما هي احد أهم حلفاء واشنطن، منذ العام 2003، لذا فإنه حتى واشنطن رفضت استفتاء أكراد العراق.
على الأغلب أن موافقة الكتالونيين في الأول من تشرين الأول القادم على الانفصال عن إسبانيا ستؤسس لدولة، يشترط عليها الاتحاد الأوروبي، فقط، أن تتقدم بطلب عضوية للانضمام له، لكن موافقة أكراد العراق، لن تؤدي للنتيجة ذاتها، بل ربما إن أي محاولة لترجمة سيادة الدولة الكردية على الأرض تؤدي لصدام مسلح بين أربيل وبغداد، ليس فقط لأن بغداد ترفض الانفصال الكردي، بل لأن الأكراد يصرون على أن يشمل الاستفتاء بالتالي دولتهم الكردية الناجمة عنه أقاليم متنازع عليها، وهي مناطق شاسعة في محافظة ديالى، فيما الدستور العراق كان قد نص على إجراء الاستفتاء العام 2007، على أن يقتصر على اربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة.
ما يمكن قوله أخيرا، هو أن تجربة الاستفتاء كمدخل للاستقلال الوطني، أو تحول الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة يمكن أن يعمم ويشمل فلسطينيي الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، حينها ماذا سيكون رد فعل إسرائيل؟!