بقلم : رجب أبو سرية
في الوقت الذي كان يعلن فيه في القاهرة قبل نحو أسبوعين عن اتخاذ خطوة حاسمة، كسرت الجليد الذي أحاط بملف إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، وذلك بإعلان حركة حماس رسميا عن حل لجنتها الإدارية التي كانت تقوم بدور حكومة الظل في قطاع غزة، وتنفذ بذلك أول شرط للرئيس للتراجع عن الإجراءات التي سبق واتخذت بحق موظفي السلطة في قطاع غزة، منذ نيسان الماضي، وما تبعها من ذهاب وفد فتح للقاهرة، والاتفاق على تنفيذ الإجراءات العملية والميدانية التي تنهي الانقسام حسب الاتفاقيات السابقة بين الحركتين بإشراف مصري ميداني ومباشر، كان رد فعل الشارع الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، يكاد يكون أقل من عادي، وذلك بالنظر إلى أن الانقسام قد مرت عليه عشر سنوات كاملة اتفق خلالها الطرفان على أكثر من اتفاق، دون أن يتحقق الهدف، بل إن أكثر ما جرى سابقاً كان وقف التراشق الإعلامي، والتعايش مع حالة الانقسام، بل وربما كان الأمر قد وصل إلى حد إدارته ثنائياً.
أي أن التجربة المتحققة لم تدفع الشارع إلى التفاؤل، وفي حقيقة الأمر فإن الشارع لم يعد يأكل ويشرب من الحكي والكلام والإعلان والتصريح، وينتظر خطوةً أو مجموعة خطوات متتابعة عملية وواقعية، حتى يقتنع بأن الأمر جدي هذه المرة، وان الطرفين قد شرعا حقاً في إنهاء الانقسام.
ولأن حركة فتح أيضاً تدرك السوابق التي جرت خلالها الاتفاقات والإعلانات، فهي وفي أول محطة لها، أي في اجتماع لجنتها المركزية يوم الأحد الماضي، اعتبرت إعلان "حماس" إيجابياً، دعت حكومتها إلى أن تتوجه إلى قطاع غزة لاستلام مهامها، وتمكينها، وقد ردت الحكومة بالإعلان عن أنها ستتوجه إلى القطاع يوم الاثنين القادم، لتعقد اجتماعها هناك يوم الثلاثاء أي موعد اجتماعها الأسبوعي، ولم تذكر "مركزية فتح" ولا الحكومة، أي شيء عن جملة القرارات التي اتخذت منذ نيسان الماضي بحق رواتب موظفيها في القطاع، إن كانت تلك المتعلقة بخصم ثلث رواتبهم جميعهم أو تلك الخاصة بالتقاعد المبكر، الذي رأى فيه البعض تقاعداً مبكراً قسرياً.
من الواضح أن حركة فتح والسلطة تتريث في اتخاذ أية خطوة من جانبها، وذلك حتى تتأكد من تسلمها فعلاً لسلطتها على القطاع ميدانياً، والسؤال هنا، يدخلنا إلى عالم التفاصيل، التي ربما تجيء بما لا تحمد عقباه، خاصة وان إعلانات صدرت عن الحكومة تقول إنها مُصرة على استلام صلاحياتها بالكامل، وهذا يعني أنها تقصد الجانب الأمني، فهل من ضمن هذا جماعات المقاومة، أي "القسام" و"سرايا القدس" و"كتائب أبو علي مصطفى" و"كتائب المقاومة الوطنية"، وهل هذا يعني أن طرف السلطة يريد الحصول على كل شيء، قبل أن يقدم على أي شيء؟
الجواب بالطبع عند ذلك الطرف، وهذا يعني أننا ربما نجد أنفسنا أمام حسابات أو حتى تقديرات مختلفة أو متباينة بين أصحاب الحقل وأصحاب البيدر، حيث دائماً هناك فروقات، بين الحسابات، ما قد ينعكس سلباً، على مجمل العملية الحساسة والدقيقة، خاصة وان مرور عشر سنوات على حالة الانقسام قد اوجد أولا قوى لها مصلحة _للأسف ببقائه_ كذلك فإن مرور الوقت قد يسمح لجهات معادية بالعمل على وضع العراقيل ومن ثم إحباط _لا قدر الله_ تحقيق الهدف المنشود.
برأينا _ أن الطرفين الداخليين، يخطئان حين يشترطان _ إتمام الأمر، بشكل مثالي، ويصبح الخطأ خطيئة حين يكون الاشتراط مقرونا أصلا بما يمكن لإسرائيل أن تؤثر فيه أو حتى أن تحدده، فإذا كانت الحكومة تصر على أن تستلم صلاحياتها كاملة في غزة، مع العلم بأن صلاحياتها بل وسلطتها في الضفة ليست منقوصة من قبل الاحتلال وحسب، بل هي تكاد تكون معدومة، فهل هذا يعني أن يتمكن كل وزير من الوصول إلى غزة، ومن ثم وبعد أن يجتمع بأركان وزارته سيعتبر أنه قد تمكن منها، أم انه سينتظر وقتا حتى يذهب لكل ما تصل إليه وزارته من مدن وقرى، ومن ثم يكتب تقريره، وماذا لو أن احد وزراء الحكومة اجتهد أو رأى بأن "تمكنه" منقوص أو غير مكتمل، وماذا لو أن إسرائيل التي تتحكم بحركة مرور الوزراء، بل وحتى موظفي الوزارات بكافة مستوياتهم بين الضفة وغزة، لم تسمح لبعضهم بالمرور؟
من الواضح أن الأمر محفوف بالمخاطر، ومن الواضح أكثر بأنه يمكن مرور الكثير من الوقت، دون الإجابة من قبل الحكومة على السؤال، إن كانت قد "تمكنت من غزة" أو لا.
وقد بدأ الجدل حول نقطة الأمن بالذات، وهي صاعق تفجير العملية كلها _برأينا_ حين بدأ البعض يقول بأن قرار الحرب والسلم بيد الرئيس وحده، هذا رغم أن الخلاف حول البرنامج السياسي قد أحيل للانتخابات القادمة.
وإذا كانت "حماس" تشترط إجراء الانتخابات لاستمرار عملية إنهاء الانقسام، فإن في ذلك مشكلة _برأينا_ ذلك أن أجراءها تتحكم فيه إسرائيل إلى درجة بعيدة، حيث يجب أن لا ينسى أحد بأن انتخابات الرئاسة والتشريعي في المرتين اللتين جرتا فيهما، الأولى المتزامنة عام 1996، والثانية المنفصلة التي جرت عامي 2005، 2006، كانت قد جرت في ظل اتفاق أوسلو، ووجود علاقات تنسيق وتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فماذا لو اشترطت إسرائيل عودة التنسيق الأمني حتى تقبل أو تسهل إجراء الانتخابات؟
وصل الأمر بأهل الحقل في غزة لإعلان التساؤل حول إن كانت رواتب موظفي غزة، بعد نحو أسبوع ستكون منقوصة أم أنها ستعود كما كانت قبل نيسان، وحيث إن اجتماع الحكومة سيكون قبل أيام من موعد نزول الراتب في البنوك، فإنه وبنسبة 90% سيكون منقوصاً، فماذا سيكون رد فعل موظفي السلطة؟ واضح أن الباب مفتوح لشيطان التفاصيل.