يمكن القول، إن يوم أمس كان بالنسبة لأهل غزة، أفضل يوم يمر عليهم منذ عشر سنوات مضت، وهو أفضل من اليوم الذي وقّع فيه ممثلو الفصائل، بمن فيهم ممثلو وفدي "فتح" و"حماس" اتفاق الشاطئ قبل عدة سنوات، والذي كان أنتج هذه الحكومة، حكومة الوفاق التي بوصولها، أمس، وضمن هذا الحشد الإعلامي والأمني والحكومي الرسمي، أظهرت حجم ومستوى الاحتفاء بخطوة إنهاء الانقسام، وتولي الحكومة مهامها وصلاحياتها في قطاع غزة.
هذه خطوة عملية حقيقية وحاسمة، ليس لأنها أعقبت إعلان "حماس" حل اللجنة الإدارية، ولا لأنها لم ترافق، على عكس ما سبق، بتصريحات متضادة، تؤكد إصرار الطرفين على موقفيهما المتعاكسين تجاه حل بعض الملفات، مثل: ملف الموظفين أو المعابر أو الضرائب أو الأمن، وما إلى ذلك، بل لأن هناك مرافقاً مهماً جداً، هو راعي الاتفاق وضامن تنفيذه، وهو الذي سيقرر وستكون له الكلمة الأخيرة الفصل فيما إذا كانت الحكومة تمكنت من السلطة في غزة، ونقصد بذلك الوفد الأمني المصري، الذي جاء إلى غزة، وعلى أعلى مستوى، من أجل ضمان الشروع بتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة قبل أسابيع.
ليس أن صخباً معاكساً إعلامياً أو سياسياً داخلياً لم يعكر صفو خطوة إنهاء الانقسام، وحسب، بل إن أحداً ولا حتى إسرائيل أعلنت أنها ضد الخطوة، كما أنه لم يسجل أنها عرقلت وصول أحد من أعضاء الوفود الإعلامية أو الأمنية أو الحكومية القادمة لغزة من الضفة الغربية، وكل هذا يعني ويؤكد أن ما يحدث هذه المرة، إنما هو خطوة حاسمة ونوعية لإنهاء الانقسام، تشهدها غزة، وتعتبر _ بنظرنا على الأقل _ أهم ما يحدث داخل غزة، منذ العام 1994.
نظام شراكة جديد وجدي يتم تدشينه هذه المرة، مستفيداً من خبرة السنوات التي مضت، ومن شراكة قلقة، وإشكالية كانت أو سعى إليها النظام السياسي الفلسطيني السلطوي الناشئ، لم يعهدها سابقاً أو أنه كان نظام شراكة مختلفاً عما كان عليه نظام الشراكة في "م.ت.ف"، والذي اعتادت عليه "فتح" وأخواتها، وهو الذي يستحق بتقديرنا كل اهتمام ورعاية، ذلك أنه يخطئ كل من يظن بأنه تم التسليم من قبل طرف لمطالب أو لإستراتيجية الطرف الآخر.
تتحدد ملامح نظام الشراكة الجديد فيما استجد في الثقافة السياسية للشرق الأوسط والعالم، وأهمها عدم الإقصاء أو الاستبداد أو التفرد، لا بقرار الحرب ولا السلم ولا بالسلطة، خاصة وأن الوطن الفلسطيني ما زال الجزء الأكبر منه محتلاً احتلالاً مباشراً وقطاع غزة منه خاضع عملياً لمنطق الحكم الذاتي، أي تحت السيادة والإشراف الخارجي الإسرائيلي، وهذا موضوع يستحق أن يمعن التفكير به جيداً، واجتراح الحلول المهمة والإبداعية له.
وإنهاء الانقسام ليس مهمة سياسية مجردة أو نهائية، بل إن أهميتها تكمن فيما سيتبعها من خطوات وإجراءات، فإذا كانت القدس والضفة الغربية تحتاج الوحدة الداخلية من أجل تدعيم قدرة الشعب على مواجهة الاحتلال المباشر، فإن قطاع غزة، الخالي داخلياً من الاحتلال يحتاج إلى تنمية وترميم البنية التحتية، أي أن قطاع غزة بحاجة إلى برنامج اقتصادي/اجتماعي حكومي/ رسمي، في حين أن القدس والضفة الغربية بحاجة إلى برنامج كفاحي.
على هذا الأساس تقوم الشراكة، شراكة البناء الداخلي للجزء المحرر من الوطن، بإشاعة كل مظاهر الحرية والتحرر والرخاء، وحتى مظاهر الدولة الفلسطينية فيه، من خلال إصرار السلطة الفلسطينية على حقها في فرض سيادتها كدولة داخل وعلى حدود قطاع غزة، وانتزاع هذه الحقوق من إسرائيل، بعدم انتظار أن تعقد اتفاقاً معها على إشاعة كل مظاهر الدولة الفلسطينية المستقلة في قطاع غزة_كما هو حال إقليم كردستان العراق_ بالنظر إلى أن أقاليم كردستان تركيا وإيران وسورية، ليست مثل كردستان العراق ولا حتى تتمتع بالحكم الذاتي، كذلك شراكة الكفاح ضد الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية.
أي أنه لا بد من تحقيق المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام بما يعني الانتقال إلى دائرة الوحدة الداخلية، بتدشين جبهة مقاومة موحدة في القدس والضفة الغربية، وإلا فإن إنهاء الانقسام يكون بهذا الشكل والمعنى حدث في المستوى الرسمي، السلطوي، وحقق نصف الهدف المنشود.
على الفور لا بد من مطالبة المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول العربية (خاصة قطر والسعودية) بالالتزام بتعهداتها في شرم الشيخ، بعد حربي العامين 2008/2009 والعام 2012 على غزة، البدء بإعادة الأعمار، كذلك بالشروع فوراً ودون أخذ الموافقة من أحد بإعادة بناء المطار والشروع في بناء ميناء غزة.
غزة تحتاج إلى حكومة مدعومة من الكل الوطني والإسلامي، كما هي القدس والضفة بحاجة إلى تكاتف الجميع بالشروع في إطلاق المقاومة الشعبية ضد الاستيطان والاحتلال، ولا بد بهذه المناسبة من تأكيد أن الذهاب للانتخابات هدفه أن يشترك الجميع في المغارم والمغانم، في السراء والضراء، وليس من أجل تفوق طرف على آخر لإقصائه من موقع القرار أو من مناصب السلطة، وعلى ذلك فإن أفضل ضمانة لأن تحدث الشراكة الإيجابية التي نتحدث عنها، تكمن في أن تجري الانتخابات العامة متزامنة، (رئاسة وتشريعي ومجلس وطني)، وضمن نظام التمثيل النسبي الكامل.
ولعل الانتخابات لا تضمن تدشين نظام الشراكة الإيجابي بأن يجد كل فصيل وقوة سياسية مكاناً يتوافق مع حجمه على الأرض ودوره وتأثيره في الواقع الفلسطيني وحسب، بل تكون مناسبة لتحديث الفصائل والقوى والخطاب وحتى البرنامج السياسي برمته، من خلال السماح للشباب دون الثلاثين بالترشح والقيادة، حتى ينطلق المجتمع الفلسطيني شاباً وعفياً وقوياً وقادراً على مقارعة الاحتلال في معركة التحرير والحرية والاستقلال.