بقلم : رجب أبو سرية
منذ أكثر من عام وبنيامين نتنياهو يدير حكومة انتقالية في إسرائيل التي فشلت خلال عام مضى، وبعد ثلاث جولات انتخابية في كسر حدة التوازن بين معسكري اليمين ووسط اليسار، وحيث أنه بات يوم الاثنين القادم هو اليوم الأخير الممنوح للمكلف بتشكيل الحكومة الجديدة بيني غانتس، فانه بعد تعثر المفاوضات بين حزبي الليكود والحصانة لإسرائيل، يبدو أنه من المرجح أن يستمر التعثر وأن تبقى إسرائيل عالقة في المشكلة إلى أجل غير مسمى، قد يدفع بها إلى جولة انتخابات رابعة، قد لا تكون بدورها، لو جرت حاسمة أيضاً.
آخر ما وصل إليه المعسكر المناويء لليمين، بعد خروج حزب إسرائيل بيتنو بزعامة افيغدور ليبرمان من معسكر اليمين مطالبا بالإطاحة بنتنياهو، هو أنه منع نتنياهو من النجاح في الحصول على أغلبية يمينية برلمانية دون ليبرمان، وتشكيل حكومة، ولم ينجح في إسقاطه، حتى وهو يواجه اتهامات القضاء رسمياً، وهكذا استمر نتنياهو يرأس حكومة انتقالية وبزمن قياسي، جعل منه أكثر رئيس حكومة في إسرائيل يجلس على مقعد رئيس الوزراء أطول فترة في تاريخ إسرائيل، وقد يعود ذلك ليس فقط إلى التحول اليميني داخل المجتمع الإسرائيلي الآخذ بالنمو منذ ثلاثة عقود مضت، وحسب، ولا إلى تجربة نتنياهو الطويلة في الحكم فقط، ولكن أيضاً إلى ما يتميز به من ألاعيب وأكاذيب ومراوغات سياسية.
فرغم ما أقدم عليه غانتس وبمجرد تكليف رئيس الدولة له بتشكيل الحكومة بعد أن حصل على توصية واحد وستين صوتاً، من مفاجأة تمثلت في التخلي عن وعده الانتخابي المتمثل بعدم الشراكة مع نتنياهو، وما أدى إليه ذلك من فض شراكته مع حلفائه، بل حتى تفكك «أزرق_أبيض» نفسه، وبالتالي انفراط عقد الشراكة بين «الحصانة لإسرائيل» بزعامة غانتس وغابي اشكنازي، و»ييش عتيد» بزعامة يائير لابيد، وحزب «تيلام» بزعامة موشيه يعلون الذي كان يجمعهم في «ازرق_أبيض»، ورغم أن غانتس قدم التنازل السياسي الكبير لليكود فيما يخص ضم شمال البحر الميت والأغوار والمستوطنات، إلا أن نتنياهو راوغ غانتس قليل الخبرة السياسية، باستهلاك الفترة الممنوحة له لتشكيل الحكومة، ووصل به إلى التوقف عند حدود الموافقة على ما يريده من سيطرة على اللجنة المكلفة تعيين القضاة، حتى لا يعين في المحكمة العليا شاي نيسان المدعي العام السابق الذي وجه الاتهام رسمياً لنتنياهو.
واضح تماماً إذاً، أن الهدف الأساسي لنتنياهو هو إغلاق أبواب المحكمة في طريقه للبقاء في الحكم، لكن الغريب هنا، هو ليس رضوخ غانتس، لكن أيضاً التفاف حزب الليكود حول الرجل، وتجاوز القضاء أو الالتفاف عليه في دولة تدعي أنها ديمقراطية وأنها دولة قانون، وحتى إذا كان ذلك سبباً في الوصول إلى الحائط فيما يتعلق بتشكيل حكومة الطوارئ بين حزبي الليكود و»الحصانة لإسرائيل»، فإن الغريب هو أن يستمر نتنياهو في تلقي كل هذا الدعم الجماهيري رغم اتهامه بالفساد، الأمر الذي لم يحدث من قبل مع بعض من اتهموا بقضايا مماثلة أو حتى أقل، ففي مطلع السبعينيات اضطر إسحق رابين، بطل حرب 67 في نظر الإسرائيليين إلى الاستقالة من رئاسة حزب العمل، بسبب تلقي زوجته تسهيلات بنكية، كذلك اضطر أيهود اولمرت وريث شارون في الحكم، إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة، بسبب تهم قضائية، ومن ثم قضاء وقت في السجن، ويبدو أن الأسباب الحقيقية لم تكن جنائية تماماً!
المهم أن «التحول» في إسرائيل يأخذها إلى تخوم دول العالم الثالث، وليس بعيداً أن تشهد انقلاباً من نوع ما، قد يكون وراءه الجيش أو الأمن، فكثير من علامات دول العالم الثالث الاستبدادية بدأت بالظهور في إسرائيل، من ضمن ذلك زعامة نتنياهو الفردية كل هذا الوقت.
لكن ما لا بد من الإشارة إليه، هو ما عليه الأحزاب الإسرائيلية من قدر كبير من الانتهازية السياسية وانعدام الأخلاق، فحتى حزب العمل المتآكل، فض شراكته مع ميرتس، كمقدمة للالتحاق بحكومة الطوارئ ليحصل على وزارتين في حكومة قيل إنها ستضم 34 وزيراً!
ولا يقتصر الأمر على أورلي ليفي كذلك ولا على عضوي «أزرق_ابيض» الليكوديين السابقين، ولا حتى على شركاء الليكود في اليمين، بل إن طبيعة التفاوض ومساره بين الحزبين الكبيرين، تعتبر دليلاً قاطعاً على أن التفاوض مع الإسرائيليين وخاصة نتنياهو، مثل طحن الهواء، وهو دليل على عدم أخلاقية الرجل، وهو دليل آخر على كيفية إدارته للتفاوض مع الجانب الفلسطيني طوال آخر خمس سنوات كان فيها رئيساً للحكومة، أي ما بين عامي 2009_2014، إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
الذي يُفشل التفاوض مع الآخرين دائماً هو نتنياهو، وإذا كان هذا ما يفعله مع أبناء جلدته، حيث لا يحترم وعداً ولا اتفاقاً، وهو دائم التراجع عن مواقفه، حين يتغير الظرف، ودائم الكذب والمراوغة، فكيف كان الحال مع الجانب الفلسطيني، الذي يعتبره عدواً منذ ولد وما زال، ولا يمكنه ولا بأي حال أن يقبل التوصل إلى حل وسط معه، وها هو لا يقبل التوصل إلى الحل الوسط مع من عمل وقتاً تحت إمرته رئيساً لأركان جيشه!
المهم هو انه إذا كان فيروس كورونا، هو الدافع لحكومة الطوارئ التي هي في طريقها للفشل في إسرائيل، حيث يبدو أنها كانت طُعماً لغانتس، فإنه مع مرور الوقت سيتعايش الناس مع «كورونا» الذي صدم البشر أول ظهوره وانتشاره السريع، فالدول التي ظهر فيها بشكل أقل أو تحت السيطرة تتابع بهلع أقل أخباره في الدول المنكوبة به، والجميع مع مرور الوقت، وفي الحالتين، أي حين يتوقف أو يتم اختراع المصل المعالج، أو في حالة استمرار الحال على ما هو عليه أسابيع أو أشهراً أخرى، فإن التعايش معه في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية، بما فيها الحظر الاجتماعي، سيتحول إلى أمر واقع اعتيادي، لذا فأن تكون الحكومة الإسرائيلية الانتقالية بديلا عن حكومة الطوارئ، خاصة وأنه يمكن إبعاد موعد إجراء الانتخابات الرابعة بسبب الفيروس لفترة أطول، سيكون أمراً مقبولاً، أما معركة نتنياهو الحقيقية فهي مع القضاء، ما دام قادراً على «احتواء» معركة السياسة الداخلية.