بقلم :رجب أبو سرية
على غير المتوقع في ضوء التصريحات المتفائلة التي صدرت عن رأس السلطة قبيل الجولة الأخيرة من متابعات المصالحة التي جرت في القاهرة، فشل اللقاء الأخير فشلا ذريعا، بحيث ألقى بظلاله القاتمة على ما هو قادم من أيام، لا أحد يدري ماذا ستحمله للشعب الفلسطيني من تجاذبات وإجراءات في ظل استمرار الانقسام الداخلي.
وحيث إن جولات الحوار في سياق ملف إنهاء الانقسام، ومنذ نحو نصف عام، لا تجري بشكل مباشر، أي لا يتحاور وفدا حماس وفتح فيها بشكل مباشر، وإنما عبر الراعي المصري، فإن ذلك يعني أن السلطة الرسمية تنتظر في كل لقاء أن يأتي وفد حماس بجواب صريح ونهائي، على سؤال تمكين الحكومة من الحكم في قطاع غزة، وقطعاً للطريق على محاولة حماس الاستمرار في متوالية «الحوار» بلا نتائج وعديم الجدوى إلى الأبد.
وفي البحث عن السبب في استمرار «تعنت» حماس وإصرارها على إبقاء قطاع غزة خارج إطار الشرعية الفلسطينية، فإنه لا بد من الإشارة إلى المتغيرات الأخيرة التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث طرأ أمران ساعداها على «الصمود» في وجه الضغط الشعبي والفصائلي والرسمي من أجل إنهاء الانقسام، وهما: تسخين جبهة غزة لمدة يومين، انتهت باستقالة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، ما سمح لقادة حماس بإظهار الأمر كما لو كان انتصارا عظيما، رغم إضافة نحو ألف منزل ونحو خمسة عشر شهيداً لقائمة الخراب في القطاع المنكوب منذ أكثر من عقد من السنين، والثاني كان «ضخ» الأموال القطرية لجيوب قادة حماس بمن فيهم أفراد جناحها العسكري.
وكما أشرنا في مقالات سابقة، فإن قطر لا تنظر بعين الرضا والارتياح للرعاية المصرية من أجل إنهاء ملف الانقسام نهاية فلسطينية سعيدة، وهي حيث ما زالت تعجز عن إخراج الملف بسبب حنكة الإدارة المصرية له من سياقه المصري، فإنها تبذل كل جهد ممكن من أجل عدم تحقيقه لهدفه المنشود.
وقطر في ذلك تعتمد على الجانب الإسرائيلي، حيث إن إدخالها لخمسة عشر مليون دولار الشهر الماضي، تتبعها خمسة عشر أخرى هذا الشهر، إنما تقوم بإدخالها بالتفاهم مع إسرائيل، وعبر معبر بيت حانون ومن خلال «البنكنوت النقدي» في الحقائب وليس عبر البنوك المراقبة من قبل سلطة النقد الفلسطينية، ولا حتى عبر معبر رفح بمعرفة مصر مثلا، أي أن الإجراء القطري لا يحيد عن الرقابة والموافقة الإسرائيلية، التي بالتأكيد تضمن نزع الإجراء من أي شبهة أمنية يمكنها أن تمس إسرائيل.
هكذا يمكن الإشارة إلى أن هناك «صراعا» ثنائيا بين مصر وقطر على التأثير على حماس، ما اضطر مصر إلى أن تقدم من ناحيتها جزرة لحماس، تمثلت في السماح لوفدها البرلماني بالسفر للخارج والوصول إلى جنوب أفريقيا وغيرها، وربما لاحقا السماح لإسماعيل هينة بالسفر إلى موسكو وغيرها من عواصم العالم في رحلة خارجية فريدة من نوعها.
ولا شك في أن الإبقاء على «حكم» حماس لغزة، يبقي إسرائيل خارج الضغط، ويبقي على أمل ولوج صفقة ترامب للبوابة الفلسطينية قائما، ويبقي أيضا على أمل قطر بالاستمرار في مداعبة حلم الدور الإقليمي بعد كل ما تعرض له من إخفاقات نتيجة فشل ربيعها العربي قائما.
وفي الوقت الذي يبقي فيه استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي على حلم قطر بالدور الإقليمي الذي لم يعد له من وجود سوى بالملف الفلسطيني، أي على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية، فإنه أيضا يبقي على الملف الأمني الخاص بسيناء مفتوحا بما يوجع مصر الشقيقة، أي أن الدور القطري في غزة عمليا هو على حساب المصلحتين الفلسطينية والمصرية.
لذا لابد من مواجهته بشكل مشترك وثنائي فلسطيني/مصري، لكن خضوع حماس لاعتبارات مصلحتها الذاتية، وحسابات السلطة التي ما زالت تحاول أن لا تعدد جبهات العداء الخارجية ضدها، يمنع من أن يتم إعلان التحالف الفلسطيني/المصري المشترك والثنائي ضد الدور القطري في الملف الداخلي الفلسطيني.
لابد أن تتقدم - برأينا - السلطة الرسمية، بموقف صريح، ضد الدور القطري، الذي تظهر كل فصائل العمل الوطني، خاصة في قطاع غزة امتعاضها منه، خاصة أن مندوب قطر الدائم في غزة، يدير تفاصيل «المنحة» القطرية، ويشرف على توزيعها شخصيا وبشكل مباشر، لطمأنة إسرائيل، التي من الغريب ملاحظة أنها في الوقت الذي تقاتل فيه من أجل منع السلطة الرسمية من صرف مرتبات ذوي الشهداء والأسرى، فإنها توافق على صرف مرتبات مقاتلي القسام وقادته وقادة حماس الذين يبلغ تعدادهم ثلاثين ألف موظف في قطاع غزة.
وبالطبع فإن «صفقة قطر» التي تقتصر على ضخ الأموال لمقاتلي حماس، مقابل تجريد «مسيرة العودة» من نوازع الإزعاج لمستوطني الغلاف، ما ظهر جليا خلال الأسابيع الأخيرة، بات أمراً مكشوفاً لدى قيادات العمل الوطني في قطاع غزة، التي باتت تطالب بدورها برفض هذه الصفقة، التي ظفرت من جمل مسيرة العودة بأذنه فقط، وكان الثمن باهظا وهو قطع الطريق على إنهاء الانقسام.
السؤال الغريب هنا، هو كيف يكون ثمن موقف حماس بخسا إلى هذا الحد، أي بخمسة عشر مليون دولار فقط، تفشل المصالحة، ولا ترى مئات ملايين الدولارات التي تصرفها السلطة الرسمية شهريا على قطاع غزة، بل إن الحصار الذي ينادي بكسره قادة حماس ليس المقصود منه حصار السكان ولكن حصار نظامها الحاكم، والذي يرى في خروج قادته للخارج من جهة وتلقي القادة الميدانيين للرواتب المدفوعة من قطر، كسراً للحصار وحلا للمشكلة.
هكذا فإن المناداة بإطلاق الحراك الشعبي باتت في محلها، حيث لا بد من إسقاط نظام الانقسام، لأن الشعب يريد إسقاط الانقسام، في ربيع شعبي فلسطيني حقيقي وبالضد من إرادة قطر وإسرائيل وحماس معا.