بقلم : رجب أبو سرية
عشية انعقاد الدورة العادية الثانية والسبعين للجميعة العامة للأمم المتحدة، أدلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتصريحات صحافية مهمة، علّل فيها لماذا تتخذ المنظمة الدولية موقفاً واضحاً ضد الاستيطان الإسرائيلي، وأضاف المسؤول الأممي الذي كان قد زار فلسطين قبل أيام، بأنه قد تأكد بنفسه بأن الاستيطان لم يُبق أرضاً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأشار الرجل الى ان الأمر في منتهى الخطورة، ذلك أنه لا توجد هناك خطة بديلة عن حل الدولتين.
لعل هذا الكلام يذكّر، وإن على نحو أكثر وضوحاً، كيف نشأت فكرة حل الدولتين، ولم قال بها الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، حين أوحت إسرائيل بأن الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني، يتطلب فقط التوصل لاتفاق بتبادل الأراضي بين 5_7 % فقط، لتتخذ إدارة بوش موقفا يعرّف الدولة الفلسطينية بأنها دولة قابلة للحياة ومتصلة، وحيث ان الاستيطان قد تواصل واستمر، وحيث ان الموقف الرسمي الإسرائيلي، والذي يعبر عنه رئيس الحكومة بنفسه بنيامين نتنياهو قد بات يقول بصريح العبارة، انه لن يقوم بإزالة اية مستوطنة، فان ذلك يعني استحالة إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة، بل انه قد استحالت إمكانية إقامتها، نظرا لتمدد خلايا الاستيطان السرطانية على الأرض الفلسطينية.
لعل تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، تكون بمثابة ورقة تضاف للملف الذي سيحمله الرئيس محمود عباس، بحيث تكون إثارة مسألة الاستيطان وحدود الدولة الفلسطينية، بل والطلب بتحويل مقعد دولة فلسطين في المنظمة الدولة من مراقب لعضو طبيعي، ضمن خطاب الرئيس، وان كنا نعتقد بان الجمعية العامة، من حيث هي «برلمان» المنظمة الدولية، تعبر عن الرأي العام العالمي، أو عن موقف شعوب العالم، فيما يمثل مجلس الأمن «حكومة العالم»، لذا فان جملة القرارات العديدة التي صدرت عن الجمعية العامة الخاصة بفلسطين بقيت حبرا على ورق!
لكن حتى هذا الحبر الذي على ورق، لا ينعدم الأهمية، فهو يخلق رأيا عاما، بحيث يكون مهما ومفيدا وضروريا، حين يجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام ضرورة إعداد برنامج كفاح وطني جديد، في اليوم التالي لإغلاق ملف حل الدولتين، واستحالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وهذا أمر ضروري ومؤكد حدوثه، ذلك انه واهم كل من اعتقد بان «نجاح» إسرائيل اليمينية المتطرفة في منع إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود العام 67 سيعني نهاية المطاف او انتهاء الصراع، بل على العكس تماما سيفتح الأبواب واسعة لجعل كل فلسطين التاريخية ساحة للصراع، الذي سيعود الى مربعه الأول.
لن يعرف احد الآن بالضبط، ما سيكون عليه برنامج الكفاح الوطني الفلسطيني، وان كان سيعتمد على قرار التقسيم مثلا، للقول بفض الاشتباك الفلسطيني/الإسرائيلي، او انه سيعتمد حل الدولة الواحدة، التي لن تكون إسرائيل بالمطلق، والتي لن تكون يهودية بالتأكيد، اما ما تحلم به الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة من حل إقليمي، يتم فيه الدفع بالفلسطينيين خارجا، للعمق العربي، فما هو إلا أضغاث أحلام تشبه وعيهم القائم على لاهوت وهمي، ذلك ان الفلسطينيين لن يكرروا ابدا ما حدث عام 1948، ومحاولة حل الملف الفلسطيني إقليمياً سيعني أن الصراع هو الذي سيصير إقليمياً وليس الحل.
وان لم تتم «فرملة أسرلة الضفة الغربية والقدس الشرقية»، فانه لن يكون هناك ما يمكن الحديث عنه بعد عام في الجمعية العامة، واسرائيل لن تجد بعد الرئيس عباس فلسطينياً واحداً باعتداله او بطول صبره، ومؤكد أن الأمور ستكون اكثر حدة، بعد اغلاق حل الدولتين وبعد خروج الرئيس عباس من المشهد السياسي، وان جولة الصراع القادمة ستكون اكثر سفوراً، تماماً كما حدث بعد عام 1967، حين ظنت إسرائيل بانها بإلحاق الهزيمة العسكرية بالعرب قد حققت كل ما تريد، لتظهر الثورة الفلسطينية شوكة في حلقها وعينها، بعد ذلك مدة خمسة عقود، والآن قد تعتقد إسرائيل أنها في ظل ترامب وعرب أعارب قد ألحقت الهزيمة السياسية بالبرنامج الوطني الفلسطيني، لكن سرعان ما سيتفتق الوعي الكفاحي الشعبي الفلسطيني عن بديل كفاحي اشد قسوة على اسرائيل التي لا مستقبل لها في المنطقة، إلا بتحولها الى دولة طبيعية اولا، وبقبول فلسطيني لها ثانياً.
بتقديرنا فان الرئيس عباس يحمل على كاهله، بعد تساقط كل المعتدلين على الجانب الإسرائيلي، واحداً تلو الآخر، وبعد ان انتهى البيت الأبيض بجوقة ترامب المتصهينة، إلا ان يلقي بتحذيره الأخير قبل الانهيار التام، لكل الجسور بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين نسوا ما كان عليه الحال عام 1987، بعد مرور ثلاثة عقود على الانتفاضة، بل نسوا ما كان عليه الحال أعوام 2000 _ 2005، لذا فانه من المتوقع ان تكون لهجته حادة جدا، كما انه وفي طريقه إلى نيويورك، يطرق كل الأبواب لعل وعسى أن يجد آذانا صاغية، خاصة في أوروبا التي هي أكثر تعقلاً وأقل انحيازاً لإسرائيل من الولايات المتحدة.
كلمة أخيرة لا بد من قولها، وهي أن فرض المستوطنين «برنامجهم» على الحكومة الإسرائيلية، ومن ثم فرض الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية موقفها على البيت الأبيض، لا يجعل زعامة أميركا للعالم موضع شك وحسب، بل يجعل مستقبل إسرائيل محفوفاً بالمخاطر، ذلك أن الوجود الفلسطيني في طريق «الطموح» الإسرائيلي المجنون في المنطقة، يبعد عنها مواجهة شعوب المنطقة كلها مباشرة، في حين ان فتح الأبواب بين إسرائيل والمنطقة، سيجعلها في مواجهة الجميع، ولعل واشنطن تلحق الضرر بمستقبل إسرائيل على الصعيد الإستراتيجي، فإسرائيل في لحظة جنونها بحاجة لصديق عاقل يعيدها الى رشدها وليس الى صديق جاهل يشد على يدها ويدفع بها الى التهلكة !