بقلم:رجب أبو سرية
لم يطل المقام كثيراً بالحكام العرب في الظهران، حيث لم يدم مؤتمر القمة أكثر من خمس ساعات فقط، رغم أن مركز الملك عبد العزيز الثقافي "إثراء" مكيف، ورغم أن الدنيا ربيع والجو بديع، ورغم أيضاً أن ثمانية عشر ملفاً كانت مفرودة على طاولة القمة. لكن على ما يبدو أن القادة العرب باتوا يفضلون، على غير الموروث العربي، أن يفعلوا بدل أن يتكلموا، المهم أن القمة العربية التاسعة والعشرين قد انفضت على خير.
وخير العرب كله في الكلام، أي أن هذه القمة لم تختلف كثيراً عما سبقها من قمم، وكانت خلاصتها في بيانها المعلن، بعنوان "بيان الظهران"، الذي أكد بطلان وعدم شرعية القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكان رئيس القمة، الملك سلمان، قد أطلق اسم القدس على القمة لحظة إعلانه بدء أعمالها، فيما أعلن هو شخصياً تبرع مملكته بمبلغ 150 مليون دولار لصالح الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة وبمبلغ 50 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
كذلك أعلنت القمة مجدداً تمسكها بالمبادرة العربية وتأيدها لرؤية الرئيس محمود عباس التي عبّر عنها في خطابه بمجلس الأمن بتاريخ 20 شباط من العام الحالي 2018.
أي أن القمة استجابت في الملف الفلسطيني لكل ما طالبت به فلسطين، أما في الملف السوري فقد جددت القمة موقفها مع الحل السياسي، وإدانتها لاستخدام الكيماوي، أما ما تلا الملف الفلسطيني من اهتمام وفق البيان، على الأقل، فكان إعلان الموقف المؤازر لأعضائها، خاصة السعودية المضيف والبحرين اللتين تتشاركان خطراً له علاقة بإيران، إن كان عبر حوثي اليمن أو عبر الدعم الإيراني للمعارضة داخل البحرين.
ولأن السعودية، التي عادت مجدداً منذ نحو عام لتبدو الدولة العربية الأهم بعد أن أولتها الولايات المتحدة أهمية خاصة في عهد ترامب، هي مستضيف القمة، فقد حضر كل الملوك والرؤساء العرب، في ظاهرة لم تحدث منذ العام 1946، في شكل داعم لزعامة السعودية للعرب، وباستثناء الملك المغربي الذي كان قد ذهب للسعودية لأداء مناسك العمرة، وكان غياب قادة الجزائر وعمان والإمارات له علاقة بمرضهم، فيما عضوية سورية مجمدة بالقمة، وأمير قطر لم يحضر بالطبع بسبب مقاطعة السعودية وثلاث دول أخرى لبلاده منذ عام.
لذا لم تأت القمة لا من قريب ولا من بعيد على ملف الخلاف بين الدول الأربع وقطر، وأظهرت القمة وحدة موقف عربي، خاصة بالقضايا التي يبدو فيها إجماع، مثل: القضية الفلسطينية. ومع هذا نقول: إن أهمية القمة تتجاوز عقد المؤتمر، إلى ما يكون خلال عام قادم، حيث تتحرك الدولة المضيفة عادة باعتبارها رئيس القمة، لذا فإن مجرد عقدها بهذا الشكل يمنح أمير المملكة القوي، الذي يدير سياساتها الداخلية والخارجية بشكل فعلي، ونقصد به الأمير محمد بن سلمان، قوة إضافية، على طريق إبرازه كقائد للعرب في المستقبل.
ولعل ما تمر به الدول العربية من أزمات غاية في الصعوبة هو ما دفع مملكة البحرين إلى تجنب استضافة القمة التالية، والتي تحولت وجهة تونس، وأبقت الأمور على حالها، أي انخراط كل دولة في همومها ومشاكلها الداخلية. فيما يظل الطموح نحو الذهاب لعالم عربي متكامل أو موحد في الجوانب الاقتصادية على أقل تقدير أمراً بعيد المنال، اللهم إلا من محاولات ثنائية أو إقليمية تظهر هنا وهناك على هامش السياسة التي باتت تفرق كثيراً ليس بين الدول العربية وبعضها، بل وفي داخل كل دولة عربية.
المهم أنه حتى في الجانب المالي، الذي عادة ما كان أسهل أمر على العرب أن يقوموا فيه بدعم القضية الفلسطينية، فإنه باستثناء ما أعلنه الملك سلمان عن تبرع خاص، فقد خلت القمة من أي قرارات تقرر تخصيص ميزانية للسلطة الفلسطينية، تحررها من الاعتماد على المانحين أو من الاستمرار في الاعتماد على المقاصة مع الجانب الإسرائيلي، لكن مع كل هذا فإن قمة الظهران أظهرت تماسكاً عربياً ما مختلفاً عما حدث في القمم السابقة، وظهر هذا من خلال أكبر حضور للمستوى الأول من القادة، كما أسلفنا، أو من خلال عدم ظهور أي خلافات، من خلال مرور المؤتمر بسلاسة وتظهير ما تم إعداده من قبل وزراء الخارجية في البيان الختامي.
وقد تجاهلت القمة، كما كنا نتوقع، صفقة القرن، خاصة أن الإدارة الأميركية لم تكن قد تقدمت بها أصلاً، كذلك فإن القمة لم تشر إلى "مسيرة العودة"، حتى لا يحدث هناك أي لغط أو توتر هنا أو هناك.
وحيث إن هذه القمة قد سبقت باهتمام أعلامي، نظراً إلى تغيير موعد انعقادها وتأخيره مدة أسبوعين تقريباً، حرصاً من المضيف السعودي على حضور الرئيس المصري شخصياً، لما تتمتع به مصر من مكانة ضرورية لتدشين الزعامة السعودية للعرب، كذلك تغيير المكان، نظراً لتهديد الحوثي للرياض، فإن الكلمات التي ألقيت خلال القمة قد عكست أهمية الملفات والحضور معاً، فبالإضافة لكلمة الملك سلمان، ظهر كل من الرئيسين محمود عباس وعبد الفتاح السيسي، بمكانة مهمة ومؤثرة. ولعل في التداول الإعلامي التالي ما يثبت ما نقول.
بقي أخيراً أن يتم الالتزام بما أعلنه البيان، خاصة تجاه مدينة القدس، فيما يخص الإعلان الأميركي، لأن تنفيذ الإعلان الأميركي سيكون بعد شهر بالضبط، لذا فلا بد من قيام القمة برئاستها المهمة والفعالة بمواجهة يوم الخامس عشر من الشهر القادم بحزم، فإن لم ينجح العرب بإجبار واشنطن على التراجع عن قرارها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، فعلى الأقل إغلاق الطريق أمام دول أخرى، مثل: غواتيمالا وهندوراس، وتهديدها بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية في حال نقلت سفارتيها، تماماً كما فعلت إسرائيل والولايات المتحدة تجاه الدول التي كانت قد أيدت قرار إدانة الإعلان الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولعل هذا أخطر تحد يواجه زعامة الأمير العصري والشاب في طريقه لتأسيس المملكة السعودية الثانية.