بقلم :رجب أبو سرية
زيارة الرئيس محمود عباس إلى تركيا بقدر ما تنطوي على الأهمية العائدة لمكانة تركيا المركزية في الشرق الأوسط، بقدر ما تشير إلى أن اهتمام القيادة الفلسطينية - الآن - وبشكله الرئيس منصب على الوضع الداخلي، ومحاولة اجتراح المستحيل بإنهاء الانقسام، بعد أن خفت بريق الأمل الذي كان قد لاح قبل بضعة أشهر بفتح باب المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية، بل وربما لأنه تأكد للقيادة أن واشنطن قد أظهرت "تطابقاً" مع الموقف الإسرائيلي تجاه ملف الصراع الثنائي، بما يعني أن وحدة الفلسطينيين بالكاد يمكنها أن تمنع تمرير الحل الإقليمي، الذي بات يعبر عنه علنا، رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه.
زيارة الرئيس عباس لأنقرة، إذا، محاولة لإقناع أنقرة بممارسة الضغط على حماس للتقدم بشكل حاسم لإنهاء الانقسام، بعد أن أفشلت إجراءاته التي اتخذها خلال الشهور الماضية، تجاه موظفي غزة، تفاهمات حماس مع جماعة دحلان ونقول محاولة لأنها غير مضمونة النتائج لأكثر من سبب، منها أن تقتنع أنقرة أولا، وثانيا، لأن أنقرة لا تمتلك القدرة التامة لإجبار حماس على اتخاذ الموقف بإنهاء الانقسام، دون أن توافق السلطة على شروطها، وثالثا، لأن حماس الآن لها أكثر من مركز قيادي، فهناك المكتب السياسي ببيروت، وهناك رئيس المكتب السياسي بغزة، وكلاهما - على ما يبدو - لا يملكان القرار، بل من يملكه هو السنوار والقسام.
لكن بعد أن انحسر تأثير قطر على حماس/غزة، لم يبق من حلفائها السابقين سوى تركيا، والآن هناك مصر التي تزايد تأثيرها على حماس/ غزة، بعد تفاهماتها مع تيار محمد دحلان، برعاية مصر، ولأن رام الله غير قادرة على إقناع مصر، التي لها مصلحة أمنية، بوجود علاقة ود مع سلطة حماس بغزة ومع تأثير دحلان الميداني في غزة، فقد وجد الرئيس عباس ضالته في أنقرة التي لا تحتفظ بمشاعر الود للقاهرة، والتي ترحب بأي عمل أو فعل "للتخريب على تلك التفاهمات".
المهم أنه على ما يبدو، وبسبب عدم وجود رؤية سياسية إستراتيجية تحكم الأداء الفلسطيني، فإن كل ما تقوم به من خطوات وما تعلنه من مواقف، لا يمكن وصفه إلا أنه ضمن سياق العلاقات العامة السياسية، خاصة وأن القيادة الفلسطينية قد تحولت مع مرور الوقت من قيادة كفاح وطني إلى قيادة نظام سياسي، كما هي حال قيادات الأنظمة العربية، التي ترتجل في أدائها أكثر مما تنفذ خططا، طويلة أو متوسطة أو حتى قصيرة الأمد.
فقد مضى أكثر من عشرين عاما على طريق أوسلو دون الوصول إلى نتيجة حاسمة، ومضت عشر سنين على الانقسام، دون أن تنجح في وضع حد له، وهي تفتقر إلى زمام المبادرة، نظراً لعدم وجود أوراق قوة أو أوراق ضغط لديها، لذا فهي في أحسن أحوالها تجرب هنا وتجرب هناك، وتحاول أن تصد موجات الهجوم الإسرائيلية السياسية والعسكرية عليها، دون جدوى !
معركة القدس حامية الوطيس، ولم تنته بعد، ولن تنتهي، كذلك مخططات تصفية الشتات، بعد اليرموك ومخيمات سورية، يفتح الآن ملف عين الحلوة، كذلك، بدأ بنيامين نتنياهو علنا يقول بعدم استعداده لإزالة أية مستوطنة من الضفة الغربية، فيما شريكه نفتالي بينيت يعلن ليل نهار، باستحالة السماح بقيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، وفيما واشنطن بدأت تظهر قناعتها بدفع الأمور لحل إقليمي يكون من ضمنه الحل الفلسطيني.
والحل الإقليمي على الجانب الفلسطيني، يتضمن دولة في غزة، وتقاسم الضفة بين إسرائيل والأردن - بحيث تكون الأرض لإسرائيل والسكان للأردن - وربما استكمالا لهذا تعديلا في نظام الأردن السياسي بحيث تتحول الدولة إلى كونفدرالية داخلية أو دولة فلسطينية أو وطنا بديلا !
وتبديداً للوهم الذي تخلق قبل ثلاثة أشهر بزيارة دونالد ترامب للمنطقة، وبدلا من جمع عباس ونتنياهو لطاولة المفاوضات، سيرا على دروب أوسلو السابقة، تتسع دائرة اهتمام جيسون غرينبلات، المبعوث الخاص لواشنطن، ولا تقتصر على تل أبيب ورام الله، بل تشمل هذه المرة الذهاب للمعابر الحدودية مع غزة، ثم يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يزور المنطقة بدوره، فيما تبدو زيارة الرجلين الأهم إنما هي لقطاع غزة!
بصريح العبارة قال غرينبلات، إن بلاده مهتمة بإيجاد مخطط سلمي جديد، على أساس الوضع الاقتصادي، يشمل البنية التحتية والكهرباء والمياه.
تتحول بوصلة الاهتمام إذا من رام الله إلى غزة ومن الملف السياسي للاقتصادي، والمدخل هو حصار القطاع وأوضاعه المعيشية المزرية، وهذا قد يفتح الباب واسعا لنشوء ورشة نقاش سياسي، خاصة وأن المبعوث الأميركي، كذلك الأمين العام للأمم المتحدة، توجها إلى غزة وحدودها دون مرافقة السلطة أو من يمثلها، وهذا يعني أنه يمكن اعتماد خارطة غزة، على طاولة البحث الدولي والإقليمي، فيما يترك ملف الضفة الغربية لأطرافه المحليين، دون تدخل خارجي، خشية الفشل على الأقل، أي لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين والأردنيين، وهكذا يمكن القول إن فصلا من خلط الأوراق قد بدأ، وإن أهم ما يميز هذا الفصل أنه يتعامل مع الملف بمنطق غير معتاد، متحررا من إرث الماضي، بما في ذلك معيار حل الدولتين، وإن الحراك الدولي الذي قد يستكمل لاحقا بزيارة الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، يهدف للبحث عن تصور جديد للحل لا يتوافق بالتأكيد مع ما تطالب به القيادة الفلسطينية، من إنهاء للاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الموحدة والمتصلة على أراضي الـ 67، وقد تكون كل تلك التحركات مجرد سحابة صيف، هذا لو أنه انطلقت على الجانب الفلسطيني انتفاضة ما، لكنها بالتأكيد دون ذلك، ستمطر طوفانا يجتاح الأحلام الفلسطينية ولا يبقي منها شيئا.