بقلم - رجب أبو سرية
لا يفكر «الغوغاء» عادة بما هو أبعد من أنوفهم، وإلا لتساءلوا عن الأبعاد الإستراتيجية للطموحات الإسرائيلية في المنطقة كلها، فنهايات قوس الأطماع الإسرائيلية لا تتوقف عن حدود، وإلا لِم هي تصر الآن على أن تصل أصابعها إلى إيران والى أبعد من إيران، بعد أن أفرغت محيطها العربي من كل عوامل القوة العسكرية، ولِم هي تعترض على أي صفقة سلاح استراتيجي، تتقدم بها دولة عربية حتى لو كانت السعودية، للولايات المتحدة.
بعد المؤتمر الاقتصادي في بيروت العاصمة اللبنانية، سينعقد مؤتمر القمة العربية السنوي المعتاد في تونس، آخر شهر آذار المقبل، فيما تجمع التقديرات على عودة النظام السوري لاحتلال مقعد بلاده في القمة، الشاغر منذ سنوات، ولا أحد يعرف بالضبط الآن إن كان الرئيس السوري بشار الأسد سيحضر القمة العربية التي تستضيفها تونس بعد اعتذار البحرين، أم لا، أي أن قرار عودة النظام السوري ليتم الاعتراف به عربيا وبشكل رسمي، عنوانا للدولة السورية، سيتخذ قبل عقد القمة، أي من رئاسة الجامعة العربية أو حتى من قبل وزراء الخارجية، أم أنه سيكون منوطا بقادة الدول خلال قمتهم المنتظرة.
إن ما أحاط بقمة بيروت الاقتصادية التي انعقدت قبل القمة السياسية بشهرين، كذلك اعتذار دولة البحرين عن استضافة الاجتماع السنوي للقمة هذا العام، دليل أضافي على تراجع أهمية هذه القمة، ذلك أن الجامعة العربية، كانت على مدار أكثر من سبعين عاما مضت، محصلة أو نتيجة للتوافق العربي، حتى في ظل الخلافات والصراعات بين أعضائها، فهي كانت تمثل «حلا وسطا» ما بين النظام القطري والنظام القومي الذي كانت تحلم به الشعوب العربية من خلال تحقق الوحدة العربية، أما اليوم وبعد تبدد أحلام الوحدة السياسية العربية في إقامة الدولة العربية الواحدة، باتت الجامعة لا معنى لها ولا دور ولا أهمية، لكن انهيارها سيدشن عمليا عصر ما بعد الدولة القطرية، أي الدويلات الطائفية والإثنية والعرقية.
المهم في الأمر، أن وجود الدولة السورية ممثلة بنظام الرئيس بشار الأسد، سيمثل تحييدا لمواقف الكثير من الدول التي أطلقت إعلامييها وبعض مواطنيها وحتى بعض مستوياتها الرسمية لفتح أبواب التطبيع مع إسرائيل، والتي لا تخفي علنا، رغبتها في إقامة ما هو أبعد من تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وصولا إلى إقامة «ناتو عربي» أو حلف امني عربي/ إسرائيلي.
ولا يخفى أن الهرولة في هذا المسار إنما هي خليجية الطابع والمحتوى، حيث ما زالت دول الخليج العربي هي أكثر الدول العربية تحالفا مع الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، حيث كانت صداقة أميركا مع كل من الخليج من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، تشكل مفارقة، ترى واشنطن بأنه آن الأوان لتبديدها وإزالتها من شبكة علاقاتها الدولية.
الغريب هو أن دخول سورية مجددا للجامعة العربية جاء بعد الخروج الرسمي للولايات المتحدة من وجودها في سورية، حيث شكل هذا الخروج إعلانا صريحا بهزيمة واشنطن وحلفائها في الملف السوري، ومع أميركا خرجت كل الدول التي كانت تتواجد عبر الجماعات المسلحة، ولم يبق على أرض سورية سوى حلفاء النظام والدولة، أي روسيا وإيران، وفقط تركيا الوحيدة من بين دول الضد للنظام التي لها قوات عسكرية الآن على أرض سورية.
لا يجد النظام السوري ومعه بالأساس الروس داعيا لفتح ملف الاحتلال التركي للأرض السورية في الشمال، في الوقت الحالي، ولذلك اعتبارات ودوافع، منها أن تركيا تتحجج بمحاربة الإرهاب الكردي الحليف للولايات المتحدة، وبعد أن تنتهي من ذلك سيطلب منها العودة إلى الحدود الدولية، كما أن تركيا لا تخيف بقوتها العسكرية غير القوية أحدا، ذلك أن القوة العسكرية التي تدافع عن سورية اليوم، ليست جيش النظام وحسب، بل القوة الروسية وغيرها.
لكن هناك محاولة إسرائيلية باختراق السيادة السورية، من خلال الاستمرار في إطلاق الصواريخ والغارات الجوية، حيث إن إسرائيل لم يسمح لها بالتدخل العسكري الميداني/ البري في سورية، لذا فإنها بانتهاج هذه السياسة تريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد، احدهما هو فرض منطقة أمنية جوية على الأقل، كما فعلت الولايات المتحدة بعد العام 1991 في العراق حين فرضت حظرا على الطيران العراقي بين خطي طول، اخرجا الجنوب والشمال العراقي من مجال الدفاع الجوي، وثانيهما هو الاستمرار في تسخين ملف المواجهة مع إيران.
إن إسرائيل التي تستمر في اختراق أجواء السيادة السورية، والتي تهدد باختراق حدود السيادة العراقية، من خلال السماح لنفسها بضرب ما تدّعيه من وجود إيراني في كل من سورية والعراق، والتي تقيم مطارا يخترق حدود الملاحة الأردنية والتي تستمر في التنكيل بالشعب الفلسطيني، تواصل الضغط على طالبي مودتها من غوغاء في المحيط العربي، لأنهم سيواجهون عاجلا أم آجلا بضرورة الإجابة عن الأسئلة التي تتعلق بموقفهم من العربدة الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي وكل الانتهاكات التي تمارسها الدولة المارقة بحق القانون الدولي.
والأهم والأخطر، هو أن الوقت سيكون كفيلا بفتح العقول المغلقة على الخطر الإسرائيلي الذي لا يخرج من دائرة استهدافاته كل المنطقة العربية والإسلامية وصولا إلى حدود الصين، حيث إن إسرائيل بتراثها السياسي لا تقيم وزنا ولا اعتبارا لصديق أو حليف، بل على العكس تماما، تقيم الوزن وتعمل ألف حساب لعدو ذكي وقوي. وإسرائيل التي تحلم بالشرق الأوسط الجديد، لم تخف يوما أطماعها بالثروة الخليجية، حيث وإن كان سبقها ترامب بالسطو على مئات المليارات، فإن إسرائيل تتطلع إلى السطو التام وللأبد على كل ما فيه من قوة شرائية، ومنعه من إي احتمال بالتنمية، ولولا حاجز الصد الفلسطيني الذي ما زال صامدا في وجه الاجتياح الإسرائيلي لكل العالم العربي، لبدأت إسرائيل فورا بالمرور من دول الجوار الرخوة بعد تفكيك قوة العراق وسورية، لتصل إلى مكامن الثروة وتقوم بجمع كنز علي بابا إلى خزينتها، ولا عزاء للغوغاء والمستجدين في عالم السياسة البرغماتية، من عشاق دولة الاحتلال المارقة، الخارجة عن العرف والقانون الدوليين.