بقلم :رجب أبو سرية
يبدو أن جولة موفدَي الإدارة الأميركية جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، للدول العربية وإسرائيل، قد تركزت حول مناقشة احتمال أو إمكانية عرض الخطة الأميركية الخاصة بحل ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، المسماة من قبل الرئيس الأميركي، من أجل تضخيمها أو إثارة الاهتمام بها، بصفقة العصر، وذلك في ضوء استمرار رفض القيادة الفلسطينية التعامل مع الخطة، بل وحتى رفض استقبال المبعوثين الأميركيين وحتى الرئيس الأميركي نفسه.
في المتن، من الممكن القول بثقة: إن الدول العربية الثلاث: السعودية، مصر، والأردن، أعادت التأكيد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن أي حل سياسي في المنطقة، وعلى أنها _ أي الدول العربية، بل والموقف العربي عموماً، يقبل بما يقبله الفلسطينيون، ولا يقبل ما لا يقبله الفلسطينيون _ وهذا موقف ثابت، رغم أنه غير كاف بتقديرنا، حيث إن مثل هذا الموقف يعني أنه في حال وافق المستوى الرسمي الفلسطيني تحت ضغط ما على ما هو أقل من الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، فإن الدول العربية ستهز أكتافها، وإن مثل هذا الموقف فعلياً وعملياً يفتح الباب لممارسة واشنطن وحتى إسرائيل الضغوط على الجانب الفلسطيني من أجل خفض سقف مطالبه وموقفه، ليتساوق مع خطة التصفية المذكورة.
وفعلاً ها هي الأخبار تأتي لتؤكد وقف المساعدات المالية الأميركية للسلطة الفلسطينية، ما لم تنفذ السلطة ما تأمرها به واشنطن وليس تل أبيب من وقف صرف مخصصات ذوي الشهداء والأسرى.
المهم أن ما كان محور الحوار بين الوفد الأميركي والدول العربية هو أن واشنطن تفكر جدياً في طرح الخطة من «فوق رأس الرئيس محمود عباس»، أي على الجمهور الفلسطيني، وهذا أمر يدعو فعلياً للضحك، لأنه يدل على مدى سذاجة وغباء إدارة دونالد ترامب، وعدم درايتها بأصول السياسة الخارجية، خاصة مزاج وموقف الشعب الفلسطيني، الذي هو أكثر استعداداً للتضحية بكثير مما تعتقد تلك الإدارة الحمقاء؛ فالشعب الفلسطيني كله، في داخل فلسطين وخارجها، هو أكثر ميلاً واستعداداً ورغبة في إطلاق كل أشكال الكفاح الوطني الميداني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو أكثر كراهية وحنقاً على إدارة ترامب من قيادته السياسية، ولا يمكن أن يفكر أحد بأنه يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبل بأقل مما ترفضه قيادته إلا وأن يكون غبياً.
أكثر فلسطيني اعتدالاً واستعداداً لقبول الحل الوسط السياسي هو الرئيس محمود عباس، مهندس اتفاقيات أوسلو وأكثر فلسطيني حباً واستعداداً وقناعة بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أما الشعب الفلسطيني فربما كان أكثر من نصفه، خاصة من هم لاجئوه، لا يقبل أصلاً بالحل الوسط، الذي يوافق على الاعتراف بدولة إسرائيل على أرضه السليبة منذ العام 1948، إلى جانب دولة فلسطين على حدود 67 ، أي على أرض القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
أما التقدير بأن قبولاً شعبياً فلسطينياً للخطة الأميركية يمكن أن يتم من قبل الشعب الفلسطيني في القدس وغزة والضفة مقابل التحسينات الاقتصادية، فإنما هو تقدير لا يفكر به إلا من لا يرى السياسة أبعد من قدميه، كما هو حال بنيامين نتنياهو الذي يفتقر لوعي وفكر السياسي الإستراتيجي أو التاريخي، والذي هو دائماً محكوم بصندوق الاقتراع الانتخابي وتحت سيف الملاحقات القضائية.
فقد أغرقت إسرائيل ما بين عامي 1967_1987، قطاع غزة والضفة الغربية برفاه العيش، لكن ذلك لم يمنع اندلاع الانتفاضة الشعبية التي جاءت من داخل تلك المناطق بالتحديد، ولم تأت من الخارج ولا بتحريض من م ت ف، لذا فإنه _بتقديرنا _ لن يطول الوقت كثيراً، حتى يكتشف أغرار الإدارة الأميركية في سياسة المنطقة، عبث ما يفكرون به، وانسداد الأفق أمام خطتهم الغبية، التي هي بالأصل محاولة من كوشنير وغرينبلات للتقدم بالنفوذ داخل الإدارة على حساب الخارجية، لا أكثر ولا أقل.
وإذا كان حلم تشكيل تحالف أمني هو ما يداعب بعض العرب من جراء التعاطي مع الخطة، فإن دولاً عربية تدرك دهاليز السياسة الإسرائيلية وعدم استعدادها لتحقيق السلام في المنطقة، نخص كلاً من مصر والأردن هنا، لذا فإن إسرائيل تقوم باستغلال هذا الحلم/الوهم، وهي ليست بحاجة للتحالف معهم أمنياً من أجل مواجهة إيران. وإسرائيل حين تواجه إيران، لا تواجه طموحها على حساب دول الخليج، بل إنها تكتفي الآن بالضغط على إيران من خلال تنصل الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ومن خلال التوافق مع روسيا على الدفع بإيران للخروج من سورية، حيث إن هذا يمثل هدفاً مشتركاً لكلا الدولتين.
وها هي إسرائيل تحاول جر العرب، إلى مربع الشراكة الاقتصادية التي تكون فيها هي في المركز منها، بما يذكر بحلم شمعون بيريس بالشرق الأوسط الجديد الاقتصادي، من خلال الحديث عن حزمة من المشاريع، آخرها ما أعلن عنه من مشروع إقامة قطار السلام، الذي يربط الشرق الأوسط والخليج العربي بأوروبا عبر إسرائيل.
بالطبع تدرك إسرائيل ومعها الولايات المتحدة مكانة كل من مصر والأردن، والتي هي أهم من مكانة الخليج فيما يخص ملف التسوية على الصعيد الفلسطيني؛ بحكم تأثير مصر على غزة وتأثير الأردن على الضفة الغربية، لأن أي تنفيذ لتلك الخطة، سيجد مصيره هنا على أرض فلسطين، لذا يحاول العدو أن يبتز الدولتين العربيتين الشقيقتين لفلسطين، من خلال الضائقة الاقتصادية التي يمر بها الأردن، والمشكلة الأمنية التي تمر بها مصر، كذلك الحالة الإنسانية في قطاع غزة.
وإذا كان كوشنير يظن أنه يمكن أن يجد قبولاً عند الشعب الفلسطيني، فلن يكون حاله إلا كما كان عليه حال الفرزدق حين وصفه جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً... أبشر بطول سلامة يا مربع.