بقلم : رجب أبو سرية
يمكن القول اليوم إنه ليس فقط اجتماع المجلس المركزي قد مرّ دون حدث أو فعل أو قرار دراماتيكي، بل إن الأسبوع الأول قد مر أيضا دون ذلك الحدث أو الفعل، ورغم أن قرارات المجلس المركزي قبل أسبوع قد تركزت على مراجعة اتفاقيات العلاقة مع إسرائيل وأميركا، ولم تفعل ما كان متوقعا من أمر مماثل تجاه حماس، إلا أن المخاوف من أن تمس الإجراءات التنفيذية مزيدا من الواقع الصعب في قطاع غزة، بل وأن تؤدي إلى قطع شعرة معاوية، التي ما زالت تمثل الأمل الأخير بإنهاء الانقسام، وإعادة ترميم الوضع الداخلي، كانت واضحة على وجوه الناس، خاصة مع انقضاء الموعد المعتاد لصرف رواتب الموظفين العموميين.
ولأن سكين «المركزي» انتقلت من المجلس إلى لجنة العشرين، التي خولها المجلس لاتخاذ القرارات المناسبة وفق ما أقره من سياسة عامة، تجاه مختلف القضايا السياسية، وحيث إنه ظهر التلازم منذ وقت بين ملفي إنهاء الانقسام والتهدئة، فإن التقدم في متابعة أحدهما يعني الضغط على الملف الآخر، وحيث إن ملف إنهاء الانقسام قد شهد تحولا منذ ستة أشهر، بما عزز من قدرة السلطة المركزية على الضغط من أجل إنهائه، فإن إقدام حماس على تحريك ملف التهدئة عبر ممر الاحتكاك الحدودي مع إسرائيل، قد رد الضغط، لكنه في نفس الوقت زاد من احتمالات قطع شعرة معاوية، وجعل من خيار الانفصال أمرا واردا، بل ومنظورا.
لكن المشكلة تكمن في أي طرفي الانقسام قادر على تحمل وزره، حيث في الحقيقة إنهما كلاهما غير قادرين على ذلك، بل إن كلا منهما ينتظر الآخر ليقدم له خشبة الخلاص، ويقينا بأن حماس كانت تنتظر فعلا من المجلس المركزي أو من القيادة الشرعية، ما يبرر لها الذهاب إلى الانفصال، ويبرر لها ذلك، عبر الادعاء بأن السلطة التي كانت قد قالت منذ وقت، على حماس أن تقرر تسليم كل شيء أن تحمل كل شيء، قد قطعت الحبل السري الذي يربط غزة برام الله.
لكن القيادة الفلسطينية أدركت بأن تجاوزها عبر عقد اتفاق التهدئة، هو الذي سيحمل حماس وزر إعلان الانفصال، لذا فإن حماس تراجعت من خلال محاولة إظهار بأن ما يجري من حوارات حول ملف التهدئة، ليس بهدف عقد اتفاق تهدئة جديد، ولكن لتثبيت اتفاق التهدئة العام 2014، وهذا أمر منافٍ للحقيقة، لأن جوهر ذلك الاتفاق كان «الهدوء مقابل الهدوء»، في حين تعلن حماس أن الهدف من وراء إطلاق ما سمته مسيرة العودة كان كسر الحصار عن غزة، وتحقيق مطالب خدماتية محددة وأخرى تصل غزة بالعالم الخارجي، وليس برام الله.
وبهدف إفراغ إجراءات السلطة الضاغطة على حماس من مضمونها، وتقوية حماس لتواصل الرفض والتمنع عن تمكين الحكومة، جاءت اتفاقية قطر التي سميت اتفاقية السولار، لتظهر أن هناك أكثر من لاعب إقليمي يتدخل للتأثير على لعبة التلازم بين ملفي إنهاء الانقسام والتهدئة.
الغريب في الأمر هو أن كلا من مصر وقطر هما الدولتان اللتان بينهما صراع سياسي معلن، سببه إصرار قطر على اعتبار أن ثورة 30 يونيو غير شرعية وأن ما حدث من حسم للصراع على الحكم داخل مصر، قبل خمس سنوات، كان انقلابا، وهذا أقل ما يقال فيه إنه تدخل فاضح في الشأن الداخلي المصري، لذا فانه لا يمكن النظر إلى أن التدخل القطري في غزة بريء أو انه كما هو حال التدخل المصري من أجل الصالح الفلسطيني العام.
على أي حال، فان الإطار العام للرعاية المصرية لطرفي المعادلة الفلسطينية الداخلية ما زال متوازنا، ولا يمكن لا لحماس ولا لفتح أن تدّعي بأن مصر منحازة لأحدهما، وإذا كانت مصر تقوم بجهدها في العلن، فان قطر تفعل من تحت الطاولة، لكن المهم هنا هو أن طرفي المعادلة الداخلية هما المعنيان أولا وأخيرا بترتيب الوضع الداخلي.
آخر المحطات كان لقاء الرئيس محمود عباس نظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ، حيث يبدو أن اللقاء كان من أجل الإبقاء على شعرة معاوية، ومن أجل الإبقاء على أمل أن يتم الإعلان عن اتفاق التهدئة مع إعلان إنهاء الانقسام.
لذا فقد احتاج الأمر شهرا آخر، يقال إن الرئيس عباس طلبه من نظيره المصري، بسبب التقدم الذي حدث في متابعة ملف التهدئة، مع مراوحة ملف إنهاء الانقسام مكانه، ويبدو أن المدخل الممكن هو عبر أن يتم الإعلان عن أن السلطة المركزية هي الجهة التي ستقوم بتمثيل الطرف الفلسطيني في ذلك الاتفاق.
لكن المعضلة هنا تكمن فيمن سيظهر على أنه «مخلّص» غزة من بؤسها، فحماس ما زالت تصر على أن تكتيكها السياسي ناجع وقادر على كسر الحصار، فيما جلوس ممثل الرئيس الفلسطيني على الجانب الآخر من طاولة إعلان اتفاق التهدئة، سينزع من حماس هذه الورقة.
مزيدا من الوقت إذا بانتظار أن تبقى الحالة الفلسطينية بكل مشتقاتها وملفاتها تراوح مكانها، نظرا لحالة التوازن الدقيق ليس على الصعيد الداخلي وحسب، بل وفي إطار الإقليم كله، وإذا كان الحراك بثمنه الباهظ على حدود غزة قد حرك ملف التهدئة، فإن الأداء السياسي/الدبلوماسي لرام الله قد قلل كثيراً من الضرر الناجم عن سياسات ترامب، وهكذا يبقى موطن ضعف الحالة الداخلية كامنا في عدم توحد مركزي القوة لدى الجانبين، فلو أن فعلا شعبيا مقاوما بقدر الاستعداد من التضحية بالشهداء ينطلق في الضفة الغربية، ولو أن أداء سياسيا مسؤولا تظهره حماس كما هو حال السلطة المركزية، لكان يمكن أن يكون هناك حديث آخر، ولعل عزاء الفلسطينيين يمكن الآن في أن الأسوأ لم يقع بعد، وان هناك جمرا تحت الرماد، وان الفينيق الفلسطيني، سيظهر في اللحظة الأخيرة، ليقول إن أطفال الحجارة قد كبروا، وان غدا لناظره قريب .