بقلم: رجب أبو سرية
لم يقتصر الأمر على علاقتها مع الجانب الفلسطيني، الذي لم تقر إسرائيل له، بل رفضت أن تنجز معه السلام التاريخي، الذي حتى لا يكون بنتيجته «اقتسام فلسطين التاريخية» كما قال قرار التقسيم الأممي عام 1947، بل الذي تقوم بنتيجته دولة فلسطينية مستقلة على أقل من 20% من مساحة فلسطين التاريخية، ولأن المشكلة تكمن في «طبيعة إسرائيل» فهي تنظر بعين الريبة والتوجس إلى كل من يحيط بها من دول وشعوب.
وإسرائيل/الدولة نفسها، وبشكل رسمي مارست وما زالت تمارس جرائم الحرب، بعقد مجازر القتل الجماعية، وليس آخر ما نشير إليه هو ما قامت به من قتل جماعي بحق أكثر من ستين إنساناً إلى جانب نحو ألفي جريح في يوم واحد، كان يوم النكبة التي ألحقتها بالشعب الفلسطيني الأعزل في ذكراها المشؤومة السبعين على حدود قطاع غزة الشرقية.
جيد جداً أن تقدم لوائح الاتهام إلى محكمة العدل الدولية والمحاكم الدولية الأخرى لجر جنود وقادة جيش القتل الإسرائيلي، إلى القضاء الدولي، لكن ما لا بد من الإشارة إليه هو أن كل القتلة، بمن فيهم وزير الحرب ورئيس هيئة الأركان وحتى رئيس الحكومة، هم متورطون في أعمال القتل المباشر والجماعي، لذا فإن إسرائيل لا بد من محاسبتها قضائياً وسياسياً، بما يعني وضعها تحت الإقامة الجبرية الدولية، إلى أن تشفى من مرض التفوق العرقي، ومن نزعة العنف والقتل، ولا بد من تقديمها كدولة إلى القضاء الدولي.
إسرائيل، منذ أن حققت المرحلة الأولى من تمكنها كدولة لم تعد مهددة وجودياً. خرجت من القمقم كعفريت يسعى إلى إفراغ كل دول الجوار من مصادر قوة البشر، فقامت بتحريض الولايات المتحدة لإعلان الحرب على العراق، فقط لأنه دولة عربية حققت مستوى متقدماً من القوة العسكرية بعد حرب خاضتها لمدة ثماني سنوات مع إيران، وشيئاً فشيئاً قامت بدس أنفها في سورية، بحيث صارت تقرر ما يجوز أن يكون فيها وما لا يجوز، وحيث صارت تقول علناً: إنها لن تسمح لإيران بإقامة قواعد عسكرية لها في سورية، وفعلاً قامت أكثر من مرة بشن الغارات وإطلاق الصواريخ على أكثر من هدف داخل حدود الدولة السورية، ثم هي حرضت الرئيس الأميركي «الدمية التي بيدها» على إلغاء الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، ومنذ وقت وهي تجعل من إيران عدواً، ثم ها هي تتدخل لمنع إتمام صفقة طائرات أف 35 بين أميركا وتركيا، وكم من مرة بالطبع سعت إلى تحديد ما تقوم أميركا ببيعه إلى السعودية من معدات عسكرية.
صارت إسرائيل وبشكل فاضح الآن تعتبر كل الوطن العربي بدوله الـ 22 عدواً، ولا يغرنك هنا ما يظهر على أنه علاقات دافئة أو تقارب بينها وبين بعض الدول العربية، سببه هو أن بعض الأنظمة التي لا تستند في الحكم إلى الشرعية الشعبية، تضطر صاغرة للاعتماد على عدو الشعوب وعدو الديمقراطية في العالم _ الولايات المتحدة.
أقامت، أمس، إسرائيل الدنيا ولم تقعدها ودفعت بأكثر من ألف جندي وأكثر من خمسين عربة عسكرية لاقتحام مخيم الأمعري، لأن جندياً من جنودها قتل فيه، وهي على استعداد، لأن تقيم حرباً عالمية لمجرد مصرع بضعة أفراد من مواطنيها حتى لو كانوا عسكريين، وليسوا مدنيين عزلاً، كما هو حال من تقوم بقتلهم ليل نهار من بين الفلسطينيين العزل.
ماذا كان سيحدث لو أن المعادلة كانت مقلوبة، أي لو أن ستين مواطناً إسرائيلياً قد لقوا مصرعهم في يوم واحد، وسقط معهم ألف جريح؟ ماذا كان سيحدث لو أن سورية أو إيران قامت بإطلاق الصواريخ على تل أبيب أو لو حلقت الطائرات السورية أو الإيرانية على أهداف في حيفا؟ ماذا لو أن العالم قام بمحاصرة إسرائيل وطالبها بالكشف عن قنابلها النووية؟!
الحديث عن إسرائيل كدولة لا يستوي بالحديث عن الدول الأخرى، خاصة الدول العربية والإسلامية المجاورة في الشرق الأوسط، والحديث عن «المواطنين اليهود/الإسرائيليين» لا يستوي ولا يقارن مع المواطنين الفلسطينيين، وهذا هو جوهر التمييز العنصري، خاصة أن ثلاث سنوات قادمة، هي مدة ولاية ترامب التي قد تتجدد لأربع أخرى، ستشهد «دلال» إسرائيل كدولة مختارة من قبل الرئيس الأميركي الذي جعل منها دولة فوق الدول، لا تنطبق عليها القوانين والشرائع الدولية.