بقلم :رجب أبو سرية
أن يلقي رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، كلمة بمناسبة افتتاح صرح العودة، على الحدود الشرقية، وعلى مقربة من السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، وعلى مرأى ومسمع الجنود الذين يقومون بقنص ومن ثم بقتل المتظاهرين الفلسطينيين، تحت يافطة تضم صوراً ومقولات رموز الحرية العالمية الثلاثة: المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كينج، ونيلسون مانديلا، كان بمثابة رسالة صريحة جداً وبالغة الوضوح للجانب الآخر، مفادها، بأنه جاهز من خلال الكفاح السلمي لأن يكون جديراً باعتلاء منصة إعلان دولة فلسطين المستقلة.
هذه الدولة التي إن كان من خلال الشعار أو الحركة الجماهيرية نفسها، تنتهي في حال فتحت الطريق لمفاوضات وفق هذا السياق إلى كسر الحصار عن غزة، ومن ثمة إعلانها "دولة فلسطينية مستقلة" مع بعض المحسنات البديعية أو الرتوش التجميلية، كما كان حال غزة_أريحا لم يتذكر، فبقيت غزة، وطارت أريحا.
فجأة تقتنع حركة "حماس" بالمقاومة الشعبية/السلمية مع أن الرئيس محمود عباس يطالب بها منذ سنوات، وتقود بشق الطريق لها، ومعها حركة "فتح" وكل القوى الأخرى في قطاع غزة، وتغلق الطريق أمامها في الضفة الغربية، لأن الصورة ستكون معكوسة هناك، أي ستظهر بقيادة "فتح" ومعها "حماس" وكل القوى، ولماذا هي في قطاع غزة، مع أن هذا الأمر حسن، لكنه نصف الحقيقة وجيد ولكن، لأن مسيرة العودة ككفاح شعبي وسلمي يجب أن تشمل كل الجغرافيا الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني، وأن تندلع في الضفة والقدس، وتساندها غزة هو الأمر الأكثر جدوى وأهمية، نظراً لأن غزة_تقريباً_ محررة، أو بمعنى أدق خالية من الاحتلال والاستيطان المباشر، فيما القدس والضفة الغربية، أولى بالكفاح الوطني بكل أشكاله وبهذا الشكل بالتحديد، من أجل أن تنعتق من الاحتلال والاستيطان المباشر.
كذلك لا بد من التنويه إلى أن هذا الخطاب، وإطلاق مسيرة العودة نفسها، رغم أنه جاء في توقيت مهم وضروري، إلا أنه جاء بعد أسابيع قليلة من مؤتمر واشنطن الإنساني حول غزة، ودون المرور بالسلطة المركزية. أي أنه يجيء في أحد جوانبه، كإشارة إلى أن هنية وحركته جاهزان لفتح غزة أمام الحل الإنساني، بعد سنوات الانقسام كلها، التي أقتصر فيها كفاح "حماس" على كسر الحصار عن غزة!
ما يؤكد هذا المنحى الخطر، وسيئ الظن _ربما_ هو ما تخلل خطاب هنية من قدح تجاه السلطة، ومن تأكيد على أن هذا المنحى السلمي في الكفاح يترافق مع طلاق مع الشق الفلسطيني الآخر، ومع تأكيد على الانقسام، وهذا يثلج صدر الإسرائيليين والأميركيين معاً، خاصة أن أياماً فقط تفصلنا عن القمة العربية في الدمام، وعن مجلس وطني في رام الله، وعن ترتيبات ضرورية من أجل أن يمر يوم الخامس عشر من أيار على خير للإسرائيليين، والأهم من أجل طعن أبو مازن والسلطة في مقتل، وإضعاف موقفهما الرافض للإذعان ولإرادة واشنطن والواقف في طريق طرح ومن ثم تمرير صفقة القرن الأميركية.
كان ينقص إسماعيل هنية أن يحمل غصن الزيتون بيده، حتى يقول: إنه وريث ياسر عرفات!
تحدث إسماعيل هنية فقط عن حق العودة وعن الحلم بالعودة، وعن الكفاح من أجل تحقيق هذا الهدف بشكل سلمي، ولم تحمل كلماته أي تهديد لإسرائيل، فالعودة يمكن جداً، بل دائماً ما يكون المقصود فيها أن تتم دون انتظار حل الدولتين ودون شرط إقامة دولة فلسطين أولاً، أي عودة اللاجئين إلى وطنهم الذي يسمونه فلسطين أو مناطق الـ48، أو حتى بأسماء مدنهم وقراهم، في ظل دولة إسرائيل.
أما مانديلا وكينج فقد كافحا بالأصل من أجل إزالة النظام العنصري، وليس من أجل دحر الاستعمار، وفي فلسطين الأمر مركب، فهو من جهة حق العودة للاجئين المقيمين في الضفة والقطاع والشتات، ومن جهة ثانية فحق المواطنة لفلسطيني الـ48 المقيمين في دولة إسرائيل، هو أقرب لكفاح مانديلا وكينج، أما من جهة الاستقلال، ودحر الاحتلال في القدس والضفة والقطاع فهو أقرب لكفاح الهند بقيادة المهاتما غاندي. لذا فلا يجوز الاكتفاء بنموذج أو بشق واحد أو بأحد أضلاع أو حتى بضلعين من مثلث الكفاح الوطني.
وما دام كفاح "حماس" محصوراً في قطاع غزة، وما دامت "حماس" تصر على الانقسام، والتحدث باسم غزة فقط، وتترك الضفة والقدس لخصمها السياسي، حركة "فتح"، فإن عقلها السياسي لن يحتفظ سوى بشعار كسر الحصار وحق العودة، في حين تتلاشى منه مصطلحات وكلمات دحر الاحتلال.
وحين ترفع السلطة مختارة أو مضطرة يدها عن غزة، فإن "حماس" ستأخذ غزة لا محالة إلى الانفصال، وإلى الكيان المنفصل، ولا يبقى سوى التفاوض مع إسرائيل، وهذا يحتاج إلى أن يتقدم رأس "حماس" بأوراق اعتماد جديدة، لعل خطابه المذكور يعتبر خير دليل عليها.