بقل: رجب أبو سرية
ربما كانت واحدة من دوافع «تبريد» الملف الكوري الشمالي من قبل إدارة البيت الأبيض، هو ما أحدثته من صخب بملفي الشرق الأوسط، وهما ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، الذي أقدمت على تفجيره بإعلانها الخاص بالقدس، ثم ملف النووي الإيراني، حيث أعلنت انسحابها منه، ودفعت بذلك الدول الأوروبية - فرنسا وألمانيا - إلى أحد خيارين كلاهما صعب، فإما أن تحذو أوروبا حذوها، وتقطع بذلك عليها منافع اقتصادية جمة، بعد جملة العقود التي أبرمتها الدول الأوروبية مع إيران، بعد التوصل للاتفاق، أو أن تبقى أوروبا كما هي حال روسيا متمسكة بالاتفاق، فتزيد فجوة التباعد والابتعاد عن أميركا، وهذا يكاد يكون خيارا مستبعدا، لذا فأوروبا تحاول «تعديل الاتفاق السابق» مع أن نجاحها في هذا الأمر يكاد يكون معدوما لأن واشنطن وطهران كلاهما لن تقبلا بالتعديل، ذلك أن الاتفاق نفسه كان قد تم التوصل إليه، بعد جهود مضنية.
مختصر القول هو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب انحازت تماما للرغبة الإسرائيلية، وفضلت تبريد الملف الكوري، حيث تخسر الكثير من مكانتها كدولة تقود العالم، وتقديم المصلحة الإسرائيلية على المصلحة القومية الأميركية نفسها، لكن بالنتيجة ورغم أن تتويج عملية تبريد الملف الكوري ستتحقق عبر لقاء ترامب - كيم، إلا أن إسرائيل تصر على تسخين الجبهة مع إيران بالمقابل، وما إصرارها على استهداف القواعد العسكرية، الخاصة بحزب الله أولاً، ثم بالحرس الثوري الإيراني في سوريا ثانياً، إلا تأكيد على مضي الدولة العبرية في هذا الخيار إلى أبعد مدى، تماما كما سبق لها وفعلت مع العراق، وبعد أن خلت المنطقة من القوى العربية التي كانت تشكل مصدات وكوابح لإسرائيل، بعد ما حدث لكل من العراق وسوريا، انفتحت الطريق وصولا إلى إيران.
ربما كان أحد أهداف أو السبب في إصرار إسرائيل على جر حماس لحرب عسكرية هو «ضمان» إخراج جبهة غزة مبكراً من الحرب القادمة، كذلك ما أعلن عنه أول من أمس من ميزانية طلبتها وزارة الحرب الإسرائيلية وتشمل نحو خمسة مليارات من الدولارات لحماية ما سمته الخطة مدن الشمال من الصواريخ، إلا تأكيد على أن إسرائيل تحضر جديا لتلك الحرب، وتحاول أن تستبق ردود فعل إيران وحلفائها، والتي ستكون منظومة الصواريخ خاصة تلك التي يمتلكها حزب الله أحد أهم أسلحة الردع من قبل الأطراف المعادية لإسرائيل وقد يكون استخدامها واحدا من ردود الفعل تلك.
ربما من أجل ذلك قد تبدأ إسرائيل بالمطالبة بتجريد إيران وحزب الله وحتى غزة من القوة الصاروخية، كما سبق لها أن محورت الحرب الدعائية التي سبقت الحرب العسكرية على عراق/صدام حسين، بالمطالبة بتجريد العراق من الأسلحة الكيماوية أو أسلحة الدمار الشامل، وحين اتضح أنه ليس هناك أسلحة من هذا القبيل شنت عليه الحرب، حيث تأكد من عدم وجود الرادع العسكري لعدوانها عليه.
ربما تبدأ إسرائيل المطالبة بتجريد إيران من القوة الصاروخية بحجة أنها قد تحمل في المستقبل رؤوسا نووية أو أنها تهدد أمن إسرائيل، وربما يكون هذا المطلب حتى شرطا لتعديل الاتفاقية النووية !
المشكلة التي تواجه خطة حماية مدن الشمال الإسرائيلي من الصواريخ التي قد تطلق من لبنان أو سورية، هي عدم توفر المال الكافي، لذا فإن بحث الخطة من قبل المجلس الوزاري المصغر والذي سيكون في حزيران القادم، سيتطرق لهذا الجانب، ومن يدري ربما تفكر إسرائيل في أن يكون ذلك، أي حماية داخل إسرائيل بنداً من بنود التحالف الأمني الإقليمي، وكما فرضت أميركا على دول الخليج تمويل الحرب في سورية طول السبع سنوات التي مضت، وكذلك تمويل الحرب على العراق من قبل، فإنه من المرجح أن يفرض عليها تمويل الحرب ضد إيران، بما في ذلك توفير مستلزمات حماية الداخل الإسرائيلي من الجيب الخليجي، رغم أن الحرب ضد إيران، وكما كان حال الحرب ضد العراق، وتلك التي دارت رحاها في سورية، كلها حروب اندلعت برغبة وتحريض إسرائيلي ومن أجل تحقيق مصلحة أميركا بالسيطرة والهيمنة على المنطقة، ورغم ذلك تمول الحروب الإسرائيلية - الأميركية بالمال العربي.
أي مفارقة هذه تجعل من الموقف العربي الرسمي، إن كان ذلك المعبر عنه في الجامعة العربية أو ذلك المأمول بأن يخرج من محور الاعتدال، الذي تبدد على أي حال، حين سارت الأضلاع الخليجية منه بالتحديد إلى الالتحاق بركب ترامب فرادى، وفضلت صداقة البيت الأبيض حتى على خيار تدعيم محور عربي يشكل ثقلا إقليميا، يعلي من شأن المصلحة القومية العربية، ويشكل إسناداً للموقف الفلسطيني في مواجهة وحدة الموقف الإسرائيلي - الأميركي على قاعدة الاحتلال وعدم الانسحاب إلى حدود 67 في القدس وفي عموم الضفة الغربية.
في الحقيقة فإن العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين قد سجلت تنفيذ مخطط إسرائيلي/أميركي هدفه هو تفتيت الدول العربية وأضعافها إلى أبعد مدى، وتحقق هذا بفتح العراق وتبديد قوته العسكرية وتهديد وحدته القومية، ثم بتدمير سوريا، وتفتيت ليبيا وتمزيق اليمن، وإشغال مصر أمنيا في سيناء، ثم إضعاف السعودية - قطر - الإمارات اقتصاديا باستنزافها في الحروب الداخلية في سورية وليبيا واليمن، والسطو على ما تبقى لديها من أموال بتمويل حروب إسرائيل/أميركا.