بقلم: رجب أبو سرية
بين مهمتي العرّاب والتعريب فاصل واضح، لكن في حالة ما، أو في لحظة ما يمكن أن يزول الفاصل، فتصبح للعرّاب مهمة واضحة وهي تعريب فكرة أو صفقة أو خطة ما، وهذا ما نظنه إزاء ما تتقدم به سلطنة عمان من خطوات حثيثة، وإن كانت تظهر من بعيد تجاه ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي.
ربما تفاجأ بعض المراقبين أو حتى أغلبهم من استقبال العاصمة العمانية، مسقط قبل أشهر قليلة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، رغم كل ما يشاع حول الحالة الصحية للسلطان العازب الذي لم يتزوج ولم ينجب وريثا له في الحكم، بما يفتح أبواب الصراع على السلطنة بعد قابوس، على مصراعيها في البلاد، وكان مبعث المفاجأة هو أن سلطنة عمان ومنذ سنوات تعتبر أقل دول الخليج اهتماما بالشأن العربي العام، فهي لم تنخرط في ملفات الصراع الداخلي كما حدث مع أكثر من دولة خليجية، من تونس إلى اليمن وسورية، مرورا بمصر وليبيا، كما أن الدولة الخليجية القابعة في أقصى شرق/جنوب الجزيرة العربية، تظهر اعتدالا أو حتى توازنا سياسيا، تجاه كل ملفات الصراع أو حتى الخلاف بين الدول العربية ودول الجوار، إن كانت إيران، تركيا أو إسرائيل.
وحتى أن إعلام عمان لم يدخل في مربعات الجدل، باستضافة صحافيين إسرائيليين، لكن مسقط - ومن الآخر- استقبلت رأس الحكومة الإسرائيلية - نتنياهو هكذا دون مقدمات، ودون أن تكون بالطبع هناك علاقات دبلوماسية، وحتى أنه لم يعلن عن أي شيء في هذا القبيل، كما أنها حتى لم تستقبل مكاتب تمثيل لإسرائيل على أرضها كما فعلت قطر، تونس والمغرب بعد اتفاق أوسلو.
جلّ ما قيل عن زيارة نتنياهو لمسقط، أنها جاءت من أجل البحث في تقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أي أن هدف الزيارة كان سياسيا، من خلال التوسط في الحل السياسي، وهذا أمر غريب حقا، حيث إن عمان ليست دولة عظمى، فلا هي الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الاتحاد الأوروبي، التي يمكن لها أن تحل محل أميركا في رعاية التفاوض، ولا هي مصر ولا الأردن الدولتان الشقيقتان لدولة فلسطين، واللتان ترتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل، تؤهلهما للقيام بدور الوسيط، وهما قامتا من قبل بهذا الدور في أكثر من مناسبة.
لكن ذلك حدث لأن للأمر علاقة بصفقة القرن الأميركية/الإسرائيلية، فالولايات المتحدة رغم أنها لم تعلن رسميا بعد عن تلك الصفقة ولا عن فحواها، إلا أن جملة من قرارات اتخذتها إدارة البيت الأبيض، وكذلك اتباع سياسة منحازة بالكامل والتمام لحكومة اليمين الإسرائيلي، بل ومعادية تماما للجانب الفلسطيني، وبالأخص تلك القرارات المتعلقة بالقدس واللاجئين، كتبت بشكل جلي وواضح كلمة سر تلك الصفقة، التي حاولت واشنطن أولا من خلال استخدام وسائل الضغط على القيادة الفلسطينية، وثانيا عبر جدار الدعم العربي لفلسطين، متمثلا بالمثلث المصري/الأردني/السعودي، أن تجد قبولا أو تعاطيا حتى مع الصفقة، وحين فشلت في الحالتين، بدأت بالبحث عن الجدار الثالث الرخو، متمثلاً بدول الخليج الأخرى.
غني عن القول إن ذلك الجدار من خلال ما عبر عنه مؤخراً من خطوات تطبيعية مع إسرائيل، كذلك بحكم أنه ليس في جوار فلسطين، وهو بذلك أقل إدراكا للخطر الإسرائيلي من حال مثلث الجوار: مصر/الأردن/ سورية، يعتبر أقل صدوداً لإسرائيل وأقل إصراراً على التمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وقد زادت إسرائيل وأميركا من هذه الحالة عبر النفخ في تهويل الخطر الإيراني.
وإيران هي دولة جوار للخليج العربي، ولها علاقات متوترة مع الإمارات التي تحتل جزرها الثلاث منذ عقود، ومع السعودية من خلال تدخلها في ملف اليمن، لذا فإن حدود الصفقة بين إسرائيل وتلك الدول واضحة وهي مبادلة حمايتها من الخطر الإيراني مقابل قيام تلك الدول بتسهيل فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني .
بضعة أسابيع تفصل واشنطن وتل أبيب عن إعلان صفقة القرن، لذا فقد تحرك حاملو الصفقة إلى تلك الدول، من خلال زيارة نتنياهو لمسقط أولا ومن خلال الزيارة المنوي القيام بها جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات لكل من عمان والأمارات، قطر والبحرين والسعودية آخر هذا الشهر
ومنوط بتلك الدول مهمة واضحة، تتمثل في تقديم الدول الغنية الجزرة التي تغري الجانب الفلسطيني، والتي تكرس انفصال غزة، وإقامة الدويلة فيها، بما يسمى تغطية الجانب الاقتصادي، من خلال المدخل الإنساني ببناء البنية التحتية للمشاريع الخدمية التي تحتاجها غزة، وكذلك من خلال تقديم ما يمكن وصفه بالتعديل على الصفقة، أو تقديم المدخل لها، المتمثل بفتح التفاوض عبر عمان.
هذا ما كشف عنه تلفزيون "ريشت كان" الإسرائيلي مؤخراً، بقوله إن مسقط قدمت مقترحات إبداعية للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث أشار التلفزيون المذكور إلى أن قابوس قدم تلك المقترحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال لقائهما الشهر الماضي، وكان التلفزيون الإسرائيلي واضحا حين قال إن العمانيين غير معنيين بالوساطة بين الجانبين لكنهم معنيون بمساعدة أميركا في إيجاد حلول للتوافق التفاوضي.
وهذا ما فعلوه خلال لقائهم بمسؤولين فلسطينيين حيث حاولوا إقناعهم بمنح فرصة للخطة الأميركية.
وهكذا يمكن القول بكل بساطة إن مسقط تتقدم كعرّاب لتمرير خطة القرن، أو حتى كمعرب لتلك الخطة، يقوم بترجمتها إلى اللغة العربية حتى يمكن قبولها والتعاطي معها، لا أكثر ولا أقل، فيما ينتظر الجميع ما ستسفر عنه زيارة ثنائي الصفقة الأميركية/الإسرائيلية للدول الخمس في آخر الشهر الحالي، ليتضح إن كانت دول الخليج ستكمل المهمة العمانية وتقوم بدور الضاغط على الجانب الفلسطيني من أجل قبول الصفقة، وبالتالي إعادة تركيب المنطقة العربية بما يجعل من إسرائيل دولة إقليمية عظمى، على حساب فلسطين والمصالح العربية القومية، أم أنها ستجد لها عذراً في موقف عربي جماعي يتخذ في القمة بتونس آخر آذار القادم مثلاً.