بقلم : رجب أبو سرية
بعد التوقف عن متابعة ملف المصالحة الداخلية على أثر عملية تفجير موكب رئيس الحكومة د.رامي الحمد الله، منتصف آذار الماضي، عادت بارقة الأمل مجدداً مع الدعوة المصرية الموجهة لحركة حماس للذهاب إلى القاهرة من أجل بحث هذا الملف مع وفد حركة فتح، ورغم أن هذا الخبر بحد ذاته يجيء كالقشة التي تقدم للغريق، ورغم عدم التفاؤل بأن تحدث جولة الحوار المتوقعة اختراقاً في الملف الثقيل على صدور الفلسطينيين، إلا أن مجرد حدوثها، يعتبر فعلاً إيجابياً، لأنه يعني بأنه لم يتم إغلاق الباب نهائياً أمام إنهاء الانقسام الداخلي، هذا أولاً، وثانياً، أنه بالنظر إلى فشل الإدارة الأميركية في توفير الظروف بعد جولة مبعوثيها الأخيرة إلى المنطقة بإعلان صفقة العصر، فالخطوة تعني أن الملف الفلسطيني السياسي قد عاد إلى حالة ترقب لكافة الأطراف بانتظار حدث ما، يمكنه أن يعيد ترتيب عناصر المعادلة.
نقول إن مجرد الإبقاء على بارقة الأمل بإنهاء الانقسام يعتبر أمراً ايجابياً، بالنظر إلى حالة الانهيار الإقليمي التي تراجعت بحالة الاهتمام والإسناد العربي لملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، لكن صد المحاولة الأميركية لفرض الحل النهائي لذلك الملف دون تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، قد درأ الشر، وإن كان إلى حين، كذلك فإن هذه الخطوة الايجابية تسجل إلى مصر، التي تظهر حنكة في السياسة غير مسبوقة، فهي تقوم براعية قومية للملف الداخلي الفلسطيني دون صخب، هذا رغم أن تحريك ملف المصالحة قد جاء بمناسبة إسناده للواء احمد عبد الخالق صاحب الخبرة الطويلة في هذا الملف والذي يتمتع بقبول من كل الأطراف الفلسطينية.
وفي الحقيقة، فإن مصر، بأناة وصبر وبعيداً عن الشعارات، نجحت في "تقريب" حركة حماس منها خلال الفترة الماضية، وإبعادها كثيراً عن الدول التي كانت تتعامل مع الحركة كما لو كانت في جيبها، وبسبب هذه السياسة المصرية، التي أشعرت "حماس" رغم الانقسام الداخلي، بأنها ليست منبوذة ولا تقف وحدها، جعلتها أكثر قدرة على اتخاذ قرارها من داخل قطاع غزة بالتحديد، بعد أن كانت عدة عواصم تحدد بقدر كبير طبيعة قرار الحركة من طهران إلى الدوحة وأنقرة، مروراً بدمشق في فترات سابقة.
بعد توقف ملف المصالحة منتصف آذار الماضي، ظنت واشنطن بأن الوقت قد حان لإعلان صفقة العصر، وأنه بات ممكناً استبدال ملف الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، بملف قطاع غزة الإنساني، وأنه يمكن بهذه الطريقة أو تلك إدخال "حماس" في اللعبة كبديل عن السلطة الشرعية، من خلال ضم صفقة العصر لملف غزة الإنساني، لكن إعادة ملف المصالحة للتداول مجدداً، يغلق هذا الباب ويعيد حالة الإحباط لواشنطن مجدداً، وهذا ظهر من خلال الحديث مؤخراً عن أن الإدارة الأميركية ستضطر إلى تعديل الصفقة فيما يتعلق بملفي القدس واللاجئين، وباحتمال إشراك الاتحاد الأوروبي لاحقاً من أجل تمريرها.
ورغم أنه من غير المتوقع أن يحدث الاختراق المأمول سريعاً، أو من خلال إحدى هذه النوافذ التي فتحت فجأة، أي بعد عودة جاريد كوشنير بخفي حنين من جولته في المنطقة، وكان السبب في ذلك هو ثبات الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني على رفض الصفقة، ورفض الرعاية الأميركية للحل، وحتى رفض استقبال أو مقابلة الموفد الأميركي.
بعيداً عن ما يقال عبر وسائل الإعلام من قبل رام الله بضرورة تمكين الحكومة تماماً في غزة، ومن قبل "حماس" بإلغاء ما تعتبره إجراءات عقابية تجاه غزة، قبل الشروع بالدخول في جولة جديدة من البحث في إنهاء الانقسام، فإن هناك حلولاً ممكنة حتى للملف الأمني الشائك، كما قيل إنه اقتراح بدمج كل المجموعات المسلحة ضمن قوات الأمن الوطني التي مهمتها هي الدفاع عن الحدود الخارجية لقطاع غزة، وبذلك نزع أي احتمال لتدخلها لاحقاً لحسم أي خلاف أو صراع سياسي داخلي كما حدث عام 2007 .
بعد ذلك تأتي تفاصيل تشكيل حكومة الوحدة والتحضير للانتخابات وما إلى ذلك، المهم هو رص الصفوف الداخلية قبل فوات الأوان بالكامل على طرفي الخصام الداخلي، ولأنه تأكد منذ أكثر من عشر سنوات بأن إرادة إنهاء الانقسام إنما هي الإرادة الوطنية الحقة، التي تواجه الرغبة الإسرائيلية بالإبقاء عليه واستمراره، فإن إنهاء الانقسام أولاً، ثم فرض كل مظاهر السيادة والتحرر من الاحتلال على قطاع غزة، أمر يعزز من فرص تحقيق المشروع الوطني المتمثل بإقامة الدولة المستقلة الموحدة، في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس.
ومن كان يظن أنه يمكن تحقيق هذا الهدف بغير الكفاح الوطني فهو واهم، وإنهاء الانقسام هو الطريق النظيف لإنهاء معاناة غزة الإنسانية، وليس أي مقترح دولي أو إقليمي آخر، لأن إدارة قطاع غزة من قبل الشرعية الفلسطينية والكل الوطني، سيجعل منه قاعدة قوية لمتابعة الكفاح الوطني من أجل دحر الاحتلال عن كل الأرض الفلسطينية المحتلة.
ولأن غزة أيضا لديها من مقومات الحياة ومن ثروات الطبيعة الشيء الكثير، فإنه يمكنها في حال تمت إدارتها كما يجب من قبل سلطة شرعية ومعترف بها إقليمياً ودولياً، والأهم أنها محل إجماع وطني والتفاف شعبي داخلي، أن تتحول إلى "فيتنام شمالية" تقود معركة تحرير الضفة الغربية والقدس، إن كان عبر الدعم السياسي وحتى المالي الناجم عن الاستثمار الداخلي أو عبر النشاط الدبلوماسي الذي ستقوده سلطة لا تضطر إلى أخذ الإذن من الاحتلال في كل تحركاتها واتصالاتها مع الخارج. بهذا المعنى نقول إن إنهاء الانقسام ونقل مقر قيادة السلطة إلى غزة المحررة من شأنه أن يرفع من سقف الكفاح السياسي على كافة المستويات، لذا فإن إنهاء الانقسام يعتبر أول بند على أجندة الكفاح الوطني، بكل وضوح وبكل بساطة.