بقلم : رجب أبو سرية
منذ أن أجرى إقليم كردستان/العراق الاستفتاء الشعبي على انفصال الإقليم عن دولة العراق، والتوتر يتزايد بين بغداد وأربيل، ورغم توافق الطرفين على اللجوء إلى الحوار لحل الخلاف بينهما، إلا أن التوصل لذلك الحل يبدو أمراً بعيد المنال، بل إن بدء الحوار بينهما_أصلاً_ يبدو أنه لن يكون قبل مرور وقت، أو قبل تدخل طرف ثالث، يمكن له أن يضيق من فجوة الخلاف بين الطرفين، فأربيل لا تمانع في الحوار مع بغداد، بعد أن أجرت الاستفتاء، الذي بات بيدها كورقة ضغط، فيما بغداد ترفض إجراء الحوار، إلا بعد أن تلغي أربيل نتيجة الاستفتاء، أو تعلن على الأقل أن الاستفتاء لم يكن أكثر من استطلاع رأي، وأن لا قيمة دستورية أو سياسية له.
في الحقيقة، إن قصة الاستفتاء لم تأت من فراغ، لكنها في الوقت ذاته جاءت ملتبسة، فرغم أن الاتفاق على إقامة الدولة الفدرالية على أنقاض نظام حسين قد نص على إجراء استفتاء لأكراد/العراق، إلا أنه كان قد حدد لذلك موعداًَ سابقاً، لم يجر الاستفتاء فيه، كذلك لم يجر الاستفتاء بمعرفة أو بالاتفاق مع مؤسسات الدولة الفدرالية، والأخطر من كل ذلك أن رئاسة الإقليم جعلت الاستفتاء يشمل مناطق متنازعاً عليها، في الواقع، وفي الدستور، وهي ثلاث ولايات تمتلك مجتمعة معظم نفط العراق، وهي كركوك، السليمانية، وحلبجة.
وكما أشرنا في مقال سابق، فإن انفصال إقليم كردستان/العراق، لا يعتبر شأناً عراقياً داخلياً وحسب، بل هو يثير اهتمام عدة دول في الشرق الأوسط منها، دولتان محوريتان، هما: إيران وتركيا، لذا فإن التوتر بين بغداد وأربيل، سرعان ما ينذر باهتمام ومن ثم تدخل أكثر من طرف إقليمي، قبل أن تتدخل الأطراف الدولية.
على الأرض بدأ التوتر يأخذ منحى الاحتكاك الميداني، حين وجه الحشد الشعبي إنذاراً إلى البشمركة، للخروج من المواقع التي احتلتها بعد التاسع من تموز 2014، مستغلة إقامة دولة "داعش" لتضع يدها على مناطق من كركوك، المدينة متعددة الأعراق والغنية بالنفط والغاز، والتي يوجد بها ليس العرب وحسب، بل والتركمان، الذين تبدي تركيا اهتماماً خاصاً بهم وتعتبرهم أشقاءها الذين أقاموا في المنطقة خارج حدود الدولة التركية الحالية، هرباً من حروب المغول، ثم في ظل وجود الدولة العثمانية الواحدة، التي كانت تشمل إضافة لتركيا معظم العالم العربي.
خطورة الأمر في كركوك، حيث إن الحشد الشعبي بعد أن أثبت دوره ومكانته وجدارته في مواجهة "داعش"، يعتبر قوة عسكرية غير نظامية، ويعتبر قوة العرب/الشيعة بالتحديد، وهو بذلك أكثر قسوة على السنة، عرباً واجههم عبر "داعش"، وكرداً، سيكون أكثر قسوة في التعامل معهم، خاصة أنه متحرر من قيود الجيش النظامي الذي هو جيش الدولة الفدرالية كلها، ولا يجوز له أن يواجه الشعب العراقي أو جزءاً منه، كما أنه لا يأتمر بقرارات حكومة حيدر العبادي، التي يراها بعض صقور المكون الشيعي، من أنصار نوري المالكي، معتدلة ورخوة، ولا تواجه الانفصال الكردستاني كما يجب بدرجة كافية من الحسم.
أما البشمركة فهي جيش الإقليم، كردستان/العراق، وهكذا فإن إطلاق رصاصة واحدة في كركوك، يمكن أن تشعل حريقاً، نظن أنه سيجر معه دولاً محورية إقليمية، وربما بعد ذلك دولاً كونية.
وبالنظر إلى أن إسرائيل شجعت رئاسة إقليم كردستان/العراق على إجراء الاستفتاء، وهي تنمي علاقات أمنية مع الإقليم، منذ إسقاط نظام صدام حسين حتى اللحظة، وأنها كانت الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط والعالم، التي تظهر دعمها للإقليم، وبالنظر _بالمقابل_ إلى العلاقة الخاصة التي تربط العراق/الشيعي بإيران، إضافة إلى أن إسرائيل عادت لتسخن الجبهة النووية ضد إيران، منذ تولى دونالد ترامب الحكم في واشنطن، فإن المواجهة العسكرية التي يزداد احتمال وقوعها بين أميركا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية، قد تبدأ في منتصف الطريق بينهما، أي على تخوم الفرات، وقد تكون من وراء الكواليس، أي من خلال دعم كل طرف لجانب من جانبي الحرب التي تلوح في الأفق بين الشيعة/العرب وبين السنة/الأكراد.
وبعد أن بلع ترامب لسانه في شبه الجزيرة الكورية، رغم ما أظهرته بيونغ يانغ من تحد له، فإن "مراجل" الرئيس الأميركي تظهر أو أنها تعوضه في تعامله مع إيران، حيث يريد تعديلاً للاتفاق النووي الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما، وبكل صلف يعلن ذلك، رغم أن الاتفاق حول برنامج إيران النووي لم يكن ثنائياً، بين طهران وواشنطن، بل بين طهران ومجموعة الخمس + واحد، أي الدول الخمس التي تمتلك حق الفيتو مع ألمانيا.
لذا يبدو أن امتلاك كوريا للقوة النووية يمثل رادعاً حقيقياً لعنجهية أميركا، فيما يذكّر التسخين ضد إيران والدور الإسرائيلي فيه، حيث تبدو تل أبيب كما لو كانت تقود واشنطن، حسب أهوائها، يذكر بما فعلته "الدولتان" ضد صدام حسين قبل عقد ونصف، فلو كان صدام حسين يمتلك قوة الردع لما تجرأت واشنطن على مهاجمته وشن الحرب عليه، وإيران في اللحظة التي تمتلك فيها القنبلة النووية، ستخرس فيها فم التحريض الإسرائيلي، وستغلق الفم الأميركي الذي يتشدق بالتهديد والوعيد الآن.
من أجل عدم جر طهران لحرب استنزاف، حيث يمكن بكل بساطة أن يمتد لهيب النار في كركوك غير البعيدة عن الحدود الإيرانية، إلى داخل أراضي إيران، ويمكن لأصابع إسرائيل وأميركا أن تنقل النار لداخل إيران من خلال تحريض مجاهدي خلق وحتى عرب الأهواز في الجنوب، وهكذا يمكن لإسرائيل وأميركا أن تنجحا في شن حرب على إيران، عبر الآخرين، دون أن تضطرا لخسارة جندي أميركي أو إسرائيلي واحد، عبر الدسيسة وعبر شق صفوف إخوة الإسلام وإخوة الجوار، من عرب وكرد وفرس وترك، سنة وشيعة، وإلى ما هنالك، المهم أن تشتعل النار بعيداً عن إسرائيل، فتأكل الجوار، ليسهل عليها بعد ذلك أن تبسط نفوذها بسهولة ويسر على كل الشرق الأوسط.