ذاكرة الشتات
أخر الأخبار

ذاكرة الشتات

 فلسطين اليوم -

ذاكرة الشتات

بقلم :رجب أبو سرية

لعلها المصادفة وحدها التي جعلت من «المعركة الأخيرة»، التي يدور رحاها حول وداخل ما تبقى من مخيم اليرموك الفلسطيني، القريب من العاصمة السورية، دمشق، أن تحدث على بعد أيام فقط من حلول الذكرى السبعين لنكبة العام 1948، وإذا كان إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ضاعف من مأساوية الذكرى، من حيث إن فصولها ما زالت قائمة بعد سبعين عاماً دون أن ينجح المجتمع الدولي في وضع حد لها، فإن تدمير ما تبقى من مخيم اليرموك يزيد من وقع المأساة ويعدد فصولها لتصبح متوالية لا تنتهي. 

المشكلة تزداد حين ندرك أن الموقف العقلاني بتحييد المخيم عن الحرب الداخلية في سورية، والتي اندلعت فصولها قبل سبع سنوات، لم يجد طريقه، ما أدى لتدمير معظم المخيم وتشريد الغالبية الساحقة من سكانه، إلى أقاصي الأرض، كذلك يجري الفصل الأخير في جعل المخيم أثراً بعد عين، والإخوة منشغلون بصراعهم حول كيفية إنهاء الانقسام الداخلي.

واليرموك ليس مخيماً عادياً أبداً، ولم يكن أكبر مخيمات سورية وحسب، بل كان يعد عاصمة الشتات، الذي احتضن قيادات الثورة الفلسطينية المعاصرة، وضم بين ترابه الكثير من شهدائها، كما أنه كان يعتبر بحق ذاكرة الشتات التي تجعل حلم العودة ماثلاً، طال الزمان أم قصر. 

في اليرموك كانت تحضر خارطة فلسطين بمدنها وقراها، وتتوزع أسماء المدن، من صفد إلى لوبية، ويتجمع الفلسطينيون محتفظين بذاكرتهم من أبناء الطيرة وصفد ولوبية، لتظهر معهم وفيهم كل سمات الشعب الفلسطيني، حيث لم تخل مناسبة إلا وكنت تشاهد الثوب الفلسطيني والعلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية، فيما المعارض والبوسترات تزين المحال والشوارع في كل مناسبة وطنية.
كان اليرموك مخيماً فلسطينياً حياً ونابضاً بامتياز، فلا يمر يوم إلا وتكون هناك فاعلية أو مناسبة ترى فيها فلسطين بكل ألقها وحضورها، لا تغيب لا عن بال ولا عن حاضر الأجيال الفلسطينية المتعاقبة. 
لذا، فإن يخرج اليوم، نحو نصف مليون فلسطيني من دول الجوار إلى المنافي البعيدة، فإن ذلك يجعل حتى من توقهم ومن فعلهم على طريق العودة أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وهذا ما كانت تحلم به إسرائيل، أي إبعاد اللاجئين عن حدودها، حتى لا يجيء يوم وتكون هناك مسيرة عودة، كما يحدث على حدودها مع قطاع غزة هذه الأيام. 

ثم أن يتم تدمير المخيم بالكامل أو مسحه عن وجه الأرض، فإن ذلك يجعل منه «وطناً داثراً» كما حدث مع قرانا الأربعمائة التي قامت إسرائيل بمسحها عن الوجود لإخفاء معالم جريمة اغتصاب فلسطين، وهذا يعني طي ذاكرة الشتات التي بقيت حافظة لحلم العودة.

يقيناً، إن أهل صفد ولوبية والطيرة وكل مدن وقرى شمال فلسطين الذي كانوا  قد لجؤوا إلى سورية وأقاموا في اليرموك «وطن العودة»، يحتفظون الآن في ذاكرتهم الحية بمعالم وشوارع المخيم، وكل ما حدث فيه من مناسبات على مدى أكثر من ستين عاماً، وإنهم لن ينسوها أبداً، لذا فلا بد من جمع تلك الذاكرة، للحفاظ على ذلك الجزء العزيز من الذاكرة الوطنية حياً، لأنه جزء مهم من تاريخ الشعب والثورة الفلسطينية. 

في مخيم اليرموك، نشأت عشرات الفرق المسرحية والعديد من الفرق الغنائية التي بثت الحماس في صدور الأجيال الشابة، وأقيمت عشرات المقار لفصائل الثورة، وتم إحياء آلاف المناسبات الوطنية، وفي مخيم اليرموك عرف جيل ما بعد نكبة العام 1948، أنه فلسطيني، وتعلم كيف يكون ويظل فلسطينياً، وفي مخيم اليرموك عرفت مئات الآلاف من الفلسطينيين، معنى الوحدة الوطنية، ومعنى التكافل الاجتماعي، وبين جنبات المخيم العظيم، ولد عشرات المبدعين الفلسطينيين من شعراء ومسرحيين وتشكيليين، وكانت مفردات المخيم حروف أغانيهم وإيقاع نبض قلوبهم.

لن تنسى الذاكرة الفلسطينية أبدا مخيم اليرموك، ومن أجل هذا لا بد من فعل مضاد لما يحدث حوله وفيه من دمار أخير، واليرموك لم يكن مثل بيروت على أي حال، ففي بيروت كان الوجود الفلسطيني عابراً واستثنائياً وضيفاً، أما في اليرموك فقد تم بعث فلسطين مجدداً بالسياسة والجغرافيا معاً، فقد كان مخيم اليرموك مجسماً لفلسطين على مقربة من دمشق، قلب العروبة النابض، وأقرب عواصم العرب إلى الوطن السليب.
في الذكرى السبعين للنكبة، وكرد على إعلان ترامب، لا بد من جعل المناسبة ورشة عمل، أو مؤتمراً لحق العودة واستمرار الحلم بها، لا بد من التفكير بإطلاق «متحف اليرموك»، للحفاظ على كل ما أنتجه التراث الحي لشعب رفض أن يموت وظل يحلم بالعودة، حتى لا نكرر ما حدث عام 1948، بالاحتفاظ بالذاكرة شفاهة وحسب.
هناك عشرات الأفلام التي صورت في مخيم اليرموك، وهناك عشرات المسرحيات التي أنتجت وعرضت في اليرموك، وآلاف الملصقات، وهناك القاعات التي شهدت جنباتها وقائع وأحداثاً وطنية غاية في الأهمية، وهناك شواهد قبور الشهداء، لا بد من توثيق كل هذا والاحتفاظ به، كجزء من التراث الوطني الفلسطيني، فالشعوب لا تندثر حين تنهزم عسكرياً وسياسياً، بل حين تتبدد ذاكرتها الثقافية، ولعل في بعث شعر المقاومة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي للهوية الفلسطينية، لنا درس ما زال ماثلاً للعيان، وفي الاحتفاظ بما أنتجه اليرموك من ثقافة وفن فلسطيني، ما يضيف للتراث الثقافي الفلسطيني الكثير، من البوستر إلى فرق: العاشقين، بيسان، زغاريد، والأرض. 

المصدر : جريدة الأيام

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الشتات ذاكرة الشتات



GMT 08:38 2020 السبت ,01 آب / أغسطس

لم تعد الحياة إلى طبيعتها بعد

GMT 07:33 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

إسـرائـيـل دون نـتـنـيـاهـو

GMT 06:25 2020 الجمعة ,17 تموز / يوليو

بـيـت الـعـنـكـبـوت

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

عن فجوة "كورونا" من زاوية أخرى !

GMT 12:53 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

عن حكومة «كورونا» الإسرائيلية

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 07:42 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تحتاج إلى الانتهاء من العديد من الأمور اليوم

GMT 10:33 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 10:08 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكور شرقي وكلاسيكي في منزل نجوى كرم في لبنان

GMT 12:49 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تعرف على موعد عرض مسلسل "شديد الخطورة" على" watch it"

GMT 19:50 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

هاجر سامي تعبر عن مشاعر رقيقة في إليك

GMT 03:11 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

ديكورات خشبية مميزة وتصاميم عصرية لعام 2018

GMT 12:09 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

GMT 09:06 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

المشاجرة بين الأم وأولادها المراهقين ظاهرة صحية

GMT 12:31 2013 السبت ,06 تموز / يوليو

شموع شهر رمضان بطابع شرقي

GMT 07:41 2015 الأربعاء ,21 كانون الثاني / يناير

أفضل 10 فنادق مغربية فاخرة تنعش السياحة في مراكش

GMT 08:42 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إصابة عشرات الطلاب بـ "نوروفيروس" في الصين

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday