بقلم : أسامة الرنتيسي
قد لا يصدق أحد أن تعيين شخص عامل وطن في أمانة عمان الكبرى يحتاج إلى واسطة ومعارف، أقلها تحرك أكثر من نائب وعضو في اللامركزية وعضو في مجلس الامانة لتأمين هذه الوظيفة.
العام الماضي أعلنت أمانة عمان الكبرى حاجتها لتعيين عمّال وطن، اتصل بي صديق يطلب وساطة من أجل تشغيل أخيه عامل وطن لدى الامانة، استغربت جدًا من الطلب، لكني اتصلت فورًا مع أحد الاصدقاء ممن لهم دالة على الأمانة بحكم العمل، وطلبت مساعدته، الغريب أكثر أن صديقي قال لي: ان الاسم الذي اعطيته إيّاه رقمه 40 في الطلبات التي وصلته، تريد المساعدة في الحصول على الوظيفة.
مشاعر متناقضة أصابتني، فرحت ان الشباب الاردني، فعلًا لا قولًا، غادروا ثقافة العيب، وأصبح العمل لهم في أية مهنة ليس عيبًا، لكني صدمت لأن البطالة وصلت أيضا إلى عمال الوطن، بعد ان توسعت في معظم القطاعات، برغم الارقام الرسمية التي تتحدث عن انخفاض نسب البطالة.
يومها؛ الامانة طلبت تعيين 250 عامل وطن، فتقدم للتعيين 9500 شاب أردني، اللجنة المعنية في التعيين قابلت في اليوم الثالث 1000 شاب.!
الخطاب الرسمي منذ سنوات يكرر “ان التصور المستقبلي للاقتصاد الاردني يستهدف تمتين أسس الاقتصاد وتحقيق الاستقرار القائم على تعزيز قيم الانتاج والاعتماد على الذات، وصولًا الى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ما سيخلق فرص عمل للأردنيين ويحد من مستويات الفقر، ويؤدي إلى تأمين الحياة الكريمة والمستقبل المشرق لأبناء وبنات أردننا الحبيب”.
هذا كلام جميل، لكنه لا يهبط على الارض، اذ لا يرى مصطفى في دير ابي سعيد ، ولا سعاد في ياجوز، ولا عبدالرحمن في مخيم البقعة، ولا مشعل في السماكية، نتائج ايجابية لهذا الخطاب النظري، وانما يرون ارتفاعات في مستوى المعيشة، وغلاءً في معظم السلع، وعدم شعور بالامان في العمل، واستحالة تأمين وظيفة لخريج جامعي ينتظر منذ سنوات على قوائم الخدمة المدنية، ولا يفتح القطاع الخاص ابوابه إلّا بصعوبة بالغة.
يحتاج هؤلاء وغيرهم في مدننا وقرانا وبوادينا ومخيماتنا الى مشروعات انتاجية حقيقية توفر فرص عمل، وتحسن الاوضاع العامة في تلك المجتمعات، فهل يستطيع رئيس الوزراء والفريق الاقتصادي ان يدلّونا على مشروع انتاجي أقيم خلال العشر سنوات الماضية في محافظاتنا غير العقبة، وفّر فرص عمل لابناء تلك المنطقة؟
هل يستطيع القائمون على صندوق تنمية المحافظات (إن كان بعده موجودا) ان يُطلِعونا على ما حققه هذا الصندوق من انجازات اقتصادية ملموسة، غير المؤتمرات وورشات العمل التي تعقد لشرح اهداف هذا الصندوق؟.
هل يستطيع الفريق الاقتصادي ان يكشف لنا عن المزايا الايجابية لقانون الاستثمار الذي لا يجذب مستثمرا، بل يطرد ــ من خلال التعقيدات التي لا تنتهي ــ الاستثمار الموجود؟.
لا احد ينكر صعوبة الاوضاع الاقتصادية ليس في الاردن وحده، بل في المنطقة والعالم، لكن تعبنا من الاستماع الى خطوات التصحيح الاقتصادي، والتزامات صندوق النقد، كما تعبنا من الاستماع الى الخطاب الخشبي حول زيادة مديونية شركة الكهرباء، والمديونية الاردنية عمومًا، وتحركات وزراء التخطيط والمالية والصناعة والتجارة من دون ان تنتج شيئًا، لا بل تزداد الاوضاع الاقتصادية سوءًا على سوء.
البطالة والفقر هما الحاضن الرئيس للفكر المتطرف، ومن جيش العاطلين او المتعطلين من العمل، تلتقط الجماعات المتطرفة عناصرها.
الدايم الله…..