تابعت خلال الأسبوع الماضي معظم صفحات التواصل الاجتماعي لشباب وصبايا الفحيص، لأكتشف أن حجم التفاعل مع قضية البيت التراثي للمرحوم عبدالله الفرج قد استحوذ على نسبة تصل الى 90%، وهذا يدل على حيوية شعبية غير متوفرة في أماكن أخرى.
أما الاكتشاف الثاني فكانت بالنتيجة، لم أجد أصواتا بالمطلق توافق على فكرة هدم البيت، بل دعا الجميع الى ترميمه وإعادة الاعتبار الى البيوت التراثية وحمايتها كجزء من هوية الفحيص وخصوصيتها وكعنوان تراثي للمنطقة وأصالتها.
وبإختصار لمن هم خارج الفحيص، فإن قضية بيت عبدالله الفرج الذي يقع في الفحيص القديمة وبموقع مركزي لمنطقة رؤوس البيادر الذي يعتز به الفحيصيون لأنه احتضن تأريخ الأجداد وتراثهم، كما احتضن لأكثر من 20 عاما ركن الشخصية الوطنية في مهرجان الفحيص، وجلس فيه نمر الحمود وسليمان النابلسي وغالب هلسة وماجد العدوان وموسى الساكت وقلادة الأسماء الطويلة التي تم تكريمها، بكل بهاء وفخر.
مؤسسة إعمار الفحيص الذي يقع موضوع حماية التراث والمحافظة على القرية التراثية على سلم أولوياتها، اجتهدت في إنشاء دارة الفحيص للثقافة والفنون تضم متحفا للتراث الشعبي المادي والثقافي و أماكن لإقامة ورش تدريبية للموسيقى والرسم ومكتبة عامة حديثة وقاعة اجتماعات حديثة، وجدارية تؤرخ تأريخ أهالي الفحيص، وهذا مشروع ريادي وحضاري تحتاجه الفحيص والمنطقة، لكنها وقعت في خطأ اختيار المكان بعد أن وصلت الى قرار هدم بيت تراثي عمره يزيد على 100 عام، ويشكل تحفة معمارية أصبحت من النوادر في منطقتنا.
البيت المذكور اشترته بلدية الفحيص من ورثة عبدالله الفرج للمحافظة عليه، والورثة وافقوا على بيعه بأقل من نصف السعر للبلدية للهدف ذاته، مشترطين أن يكون اسم عبدالله الفرج موجود على البناء أسوة بأي موروث، وقدمته البلدية لمؤسسة إعمار الفحيص لكي تستعمله كمقر لها، لكن وبناء على تقرير هندسي تقول المؤسسة إن البيت لا يمكن ترميمه، وإنه آيل للسقوط.
هذه الخلاصة لم ترق أبدا لأهالي الفحيص فاحتجوا بكافة السبل الإعلامية المتاحة، رافضين فكرة هدم البيت، ومطالبين بترميه، لأن الأصل أن يحافظ على البيت كموروث تراثي تأريخي وأن لا يهدم بل يرمم وتستغل باقي المساحة بإضافة بناء بشرط ان يكون بنفس الطراز القائم حاليا حتى لا يشوه البيت وطرازه المعماري.
البيت يقع في منطقة السوق القديم، وتم بناء غرفة عام 2016 تم تأجيرها بقرار من المجلس البلدي الى خلدون الداؤود الشخصية التي أعادت الحياة للبلدة القديمة من خلال رواق البلقاء حتى تكون ملحقا مع المعارض، لكنها تبقى ملكا للبلدية للمحافظة على الطابع التراثي للمنطقة.
وهذا الشرط انسحب أيضأ على بيت زياد شاكر الطعيمة القديم كجزء من السوق القديم عندما طلب تجديده كان الشرط بترخيصه ان يتم التجديد بنفس الطراز والبناء الحجري ونفس لون الحجارة، وهذا ما حصل ووصلت الكلفة نحو 200 الف دينار.
لا أحد يشكك في نوايا مؤسسة إعمار الفحيص ورئيسها الدكتور موسى شتيوي في إنشاء دارة الفحيص للثقافة والفنون، وهناك مواقع كثيرة في الفحيص تصلح أكثر لإقامة هذه الدار، على سبيل المثال منطقة خربة الدير غير المستغلة مع أنها تصلح لاحتضان مهرجان كبير من وزن مهرجان الفحيص، فكيف اذا كانت دارة الثقافة والفنون فيها.
حسب الصور التي انشرها لمن لا يعرف المكان جيدا فمن المستحيل ان يتم هدم القبة ويعاد بناؤها بنفس الطريقه، ثم لما تهدم ألا يمكن إقامة سقف فوق القبة ليحميها ويبتعد عن خيار الهدم وأن يبقى البيت القديم بالكامل كما هو كأنه قطعة فنية في داخل بناء هندسي.
الاقتراح المقدم من مؤسسة الإعمار وبالاعتماد على رأي هندسي انه سيتم ترقيم حجارة الواجهة وإعادتها، وهذا شىء من المستحيل تنفيذه من خلال متعهد هدم بيوت وعمال وافدين، بل تحتاج الى علماء في الآثار وهذا ليس مطروحا.
شكرا لمؤسسة إعمار الفحيص على تحصيل مبلغ 170 ألف دينار منحة لإقامة دارة الفنون، وشكرا لهم إن فكروا بإقامتها بعيدا عن فكرة هدم بيت عبدالله الفرج، الذي يجب أن يرمم ولا يجب أن يهدم، وفي دول العالم المتحضرة هناك الكثير من المتاحف والبيوت التراثية، مرممة ولا تستغل لكنها تبقى جزءا من الهوية والتأريخ.
ننتظر تراجع مؤسسة إعمار الفحيص عن توجهها، والانصياع للرأي العلمي والهندسي الذي يؤمن بالترميم لا الهدم، وتشكيل لجنة علمية من بيوت خبرة مرموقة، ومن مهندسي الفحيص حتى لا نقع في هذه الأزمات مرة أخرى.
كما ننتظر موقفا حاسما من المجلس البلدي، فالمجلس السابق لم يفكر يوما في هدم المبنى بل ترميمه، وكل القرارات حوله تؤكد ذلك، وعلى المجلس الجديد تأكيد هذه القرارات ووقف الحديث عن هدم البيت والاسراع في ترميمه.
الدايم الله….
نقلًا عن الأول