بقلم : سليمان جودة
يواجه الرئيس التونسى احتجاجات شعبية شبه يومية فى بلده، وهى احتجاجات تتصاعد يوماً بعد يوم، إلى الدرجة التى اضطر معها الرجل إلى أن يطلب من الجيش تأمين حقول الغاز والبترول من تهديدات المحتجين!
والشىء اللافت جداً فى الموضوع أن المحتجين أغلبهم شباب، وأن لهم مطالب مختلفة تماماً عن المطالب التى كان التونسيون قد رفعوها فى يناير ٢٠١١!
ففى ذلك العام كان مطلبهم إسقاط النظام الحاكم، وقد أسقطوه على نحو ما تابعنا وقتها، ولكنهم اليوم لم يطلبوا إسقاط النظام الجديد، وإن كان هذا لا يمنع أن يلتفت الذين عليهم أن يأخذوا الدرس، إلى أن عدم الاستجابة للمطالب فى بدايتها يؤدى بالضرورة إلى تصاعدها، ثم إلى انتقالها من مستوى إلى مستوى آخر تماماً!
المطلب فى يناير ٢٠١١ كان سياسياً بامتياز، ولكنه اليوم مطلب اقتصادى فى أساسه، وهذا هو الفارق الكبير الذى علينا هنا أن نعيه، وأن نتوقف أمامه!
الشباب المحتج فى تونس يطلب عملاً، ويخرج فى جماعات كبيرة ليقول بأعلى صوته إنه عاطل، وإن الحكومة الموجودة فى مقاعد الحكم هى المسؤولة عن توفير فرص العمل التى لا يجدها، وإنها موجودة فى مقاعدها من أجل تحقيق هذا الهدف له، وليس من أجل شىء آخر!
وليس فى مصر بيت واحد، إلا وفيه شاب يطلب عملاً ولا يجده، ولا تكاد تلتقى رب بيت فى أى مناسبة إلا ويكون مطلبه الأول هو فرصة عمل لابنه الذى أنهى تعليمه، ثم طرق كل باب دون جدوى!
وفى مرحلة سابقة كان الذين يطلبون عملاً، يضعون أعينهم على ميادين عمل بعينها، كأن تصادف واحداً يريد وظيفة فى البترول، أو فى البنوك، أو فى أى مجال مشابه، يرى أن عائده عليه كبير، ومختلف!.. اليوم أصبح طالب فرصة العمل يريدها فى أى مكان، وفى أى موضع، ويثير حزنك أن تكتشف أن خريجين فى الجامعات، بلا عدد، لا يجدون أدنى حرج فى إبداء استعدادهم للعمل فى أى وظيفة ممكنة، وبصرف النظر عما إذا كانت لها علاقة بما سبق أن درسه فى جامعته، أم لا!.
وهو أمر يجعلك ترى مدى كذب الكلام الذى يقال كل يوم، عن حكاية ربط التعليم فى مدارسنا وجامعاتنا، بسوق العمل فى البلد.. إذ لا علاقة بين ما درسه أى شاب، وبين ما يجده متاحاً أمامه فى السوق!
درس تونس الذى لم نشأ أن نعيه فى يناير ٢٠١١، علينا أن نعيه كاملاً هذه المرة، وأن نعى أن المطلب الاقتصادى المجرد فى أوله، يمكن فى لحظة يأس أن ينقلب سياسياً خالصاً!
درس هذه المرة مختلف.. فمَنْ يستوعبه؟!