بقلم-سليمان جودة
فى لقاء مع مسؤول رفيع فى الدولة، قبل أيام، ذكر، والدهشة تملأ معالم وجهه، أنه أزعجه أن يعرف أن الخضار والفواكه تأتى من الصعيد إلى سوق العبور، ثم تعود مرةً أخرى إلى المستهلك فى الصعيد نفسه، من خلال تجار الجملة والتجزئة!
وقد انزعج المسؤول الرفيع مرتين: مرة لأن ذلك يضاعف السعر على المستهلك دون أى مبرر، ومرة ثانية لأن تغيير هذا الوضع المائل خارج نطاق عمله وليس فى اختصاصه.. والمؤكد أنه قد نقل الأمر إلى الحكومة، لعلها تتصرف وفق ما تراه!
وفى لقاء مع المهندس شريف إسماعيل، وقت أن كان على رأس الحكومة، كنت قد دعوته إلى الأخذ بفكرة الأسواق العامة، التى تنشأ على مستوى كل منطقة أو كل حى، ليوم واحد، وتعرض السلعة على المستهلك عن طريق المنتج بشكل مباشر.. إنها فكرة تعرفها دول كثيرة، وقد رأيتها فى أكثر من عاصمة، وهى لا تحتاج سوى الرغبة فى رفع الأعباء عن المستهلكين، ثم إرادة جادة تبدأ فى تطبيق الفكرة وتنظيمها!
وقبل أسبوع كان الدكتور على المصيلحى يتحدث أمام لجنة فى البرلمان فقال ما يعنى أن وضع تسعيرة جبرية مخالف للدستور، وأن تجربة ماليزيا فى الجمعيات التى توفر السلع للمواطنين ربما تكون مفيدة، وأنه يدعو إلى دراستها واستدعائها هنا على أرضنا!
ولا أعرف ما هى هذه التجربة الماليزية التى يتحدث عنها الدكتور المصيلحى وتعجبه، فهو لم يشرح شيئاً عنها، ولا أشار إلى تفصيلة فيها تنفعنا، ولكن ما أعرفه أنه الوزير المختص بالموضوع، وأن حديثه عن مخالفة التسعيرة الجبرية للدستور معناه أن لسان حاله وهو يخاطب المستهلك يكاد يقول: التسعيرة غير الجبرية أمامك، والبحر من خلفك.. ولا مفر!
ولو خطف الوزير رِجْله إلى الكويت، فسوف يعود بعد ساعتى سفر، وفى يده تجربة ممتازة عندهم اسمها الجمعيات التعاونية.. فهى موجودة فى كل حى دون استثناء، وهى تنشأ عن طريق أسهم يشتريها أبناء الحى أنفسهم، ولذلك فلابد أن يكون المواطن الكويتى من بين سكان المنطقة ليشترى سهماً فى الجمعية أو أكثر، وفيها تُباع كل السلع على درجة عالية من الجودة، وتحت رقابة من الدولة، وبهامش ربح قليل ومحدد مسبقاً، ولا سبيل لتجاوزه أو القفز عليه، وفى آخر كل سنة تُوزع أرباح على مساهميها، وبامتداد العام تُنظم لهم رحلات ويتم منحهم هدايا!
لسنا فى حاجة إلى تجربة ماليزية فى أقصى شرق آسيا قد لا تكون مناسبة، فتجربة الكويت الناجحة على مرمى حجر، والمستهلك الصعيدى الذى يشترى الفاكهة بعد مرورها على سوق العبور يستحق أن نبحث من أجله عن التجارب الناجحة، وأن نضعها بين يديه، وأن نجعله يحصل على حاجته من السلع دون وسطاء يبيعون فيه ويشترون، بدلاً من طريقة جحا وهو يدور بيده اليمنى من وراء رأسه ليصل إلى أذنه الشمال!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع