بقلم : سليمان جودة
أستغرب جداً أن تلتزم مصر الصمت تماماً، تجاه حدث جلل، سوف يجرى فى الخامس والعشرين من هذا الشهر، وسوف يهز المنطقة هزاً، عندما تكتمل خطواته!
والقصة أن مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان العراق، حدد ٢٥ سبتمبر موعداً نهائياً للاستفتاء على استقلال الإقليم، ودعا أكراد شمال العراق إلى الخروج لإبداء رأيهم، من أجل أن تقوم على أرضهم دولة مستقلة لها حدود ولها نشيد!
ومعنى هذا أننا يمكن أن نستيقظ صباح السادس والعشرين على العراق وقد أصبح عراقين!.. عراق فى أقصى الشمال للأكراد، وعراق آخر فى الجنوب والوسط لسائر العراقيين!!
وقد عشنا منذ سقوط صدام حسين، قبل ١٤ عاماً، نستبعد تقسيم العراق، مرة، ونهزأ من دعوات التقسيم، مرة أخرى، حتى جاءت الدعوة إلى الاستفتاء لتقول لنا، بالدليل العملى، إننا كنا مخطئين فى الحالتين، وكنا حالمين بأكثر مما يحتمل الحلم، عندما تصورنا أن تقسيم أرض الرافدين أمر بعيد بعيد!
أين القاهرة من هذا كله.. ولماذا تقف صامتة هكذا؟!
إن الدعوة إلى الاستفتاء صدرت منذ ما يقرب من الشهر، وكنت منذ إطلاقها أترقب مع غيرى من الذين يغارون على العراق، موقفاً مصرياً قوياً، وواضحاً، وحاسماً، من الدعوة كلها، ومع ذلك فلم يخرج شىء من عندنا يشير إلى حقيقة موقفنا من حدث بهذا الحجم، وبهذه الخطورة البادية فيه، وبهذه التداعيات التى تتبدى فى الأفق قادمة من بعده.. لم يخرج عن القاهرة أى شىء!
إننا نتكلم عن العراق، ولا نتكلم عن أى دولة.. نتحدث عن العراق الذى كان، ويجب أن يظل، بوابة العرب الكبيرة من جهة الشرق.. نتكلم عن العراق صاحب واحدة من أعرق الحضارات فى المنطقة بأكملها.. نتكلم عن العراق الذى قالوا عنه يوماً إنه يقرأ، وإن القاهرة تؤلف، وإن لبنان يطبع!
فمَنْ سيقرأ بعد اليوم، إذا ألفت القاهرة، وإذا طبعت بيروت؟!.. ومَنْ سيقرأ إذا صار العراق عراقين، وربما ثلاثة عراقات؟!
بارزانى قال إنه عازم على الوصول بالاستفتاء إلى غايته، مهما كانت اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، وإيران، وغيرها!!.. وحيدر العبادى، رئيس وزراء العراق، لم يجد شيئاً يفعله، سوى أن يحذر بارزانى من القفز بكردستان إلى المجهول!
وأغرب ما فى الموضوع أن الأطراف التى تفاعلت مع الحدث، وأبدت فيه رأياً واضحاً، كانت كلها أطرافاً غير عربية، من أول واشنطن، إلى أنقرة، إلى طهران، إلى موسكو التى قال نائب وزير خارجيتها إن بلاده تتمسك بوحدة وسلامة أراضى العراق، وإن إجراء الاستفتاء فى موعده ليس معناه اعتراف روسيا بنتائجه!
العراق أغلى بكثير من أن تجلس مصر إزاءه فى مقاعد المتفرجين!