لم يكن الواقع العربى فى يوم من الأيام بهذه الحالة السيئة التى يمر بها الآن..ولم تكن الإدارة الأمريكية بهذه الصورة التى انقلبت بها كل الأوضاع وما بين حالة ارتباك شديدة القسوة فى العالم العربى وتقابلها حالة من الفوضى الشديدة فى أمريكا, بين هذا وذاك تأتى أهمية وخطورة اللقاء بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس رونالد ترامب..يذهب الرئيس السيسى إلى واشنطن ومعه ملفات كثيرة حول مصر وعالمها العربى وقضاياها الداخلية المعقدة..ويأتى الرئيس ترامب وخلفه اعتراضات هى اقرب لثورة رفض ضد إجراءات كثيرة اتخذها أو أخرى يسعى إليها وكلاهما يواجه تحديات جسيمة..
> نقطة البداية ان الرئيس السيسى أول مسئول عربى يلتقى بالرئيس ترامب بعد قمة عمان وما دار فيها حول قضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية خاصة بعد كل ما دار من أحاديث ووعود حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو التراجع الإسرائيلى عن مبدأ إقامة الدولتين.. وكان بيان القمة العربية فى غاية الوضوح وهو يضع المبادرة العربية كموقف عربى لم يتغير تجاه القضية الفلسطينية والحل السلمى فى سوريا وعدم التدخل الخارجى فى شئون الشعب الليبى والشعب اليمنى وأهمية وضرورة استقرار الأوضاع فى العراق..
> لأول مرة منذ سنوات يذهب رئيس مصرى ومعه قدر كبير من الانجازات فى أكثر من مجال وقدر قليل من المطالب التى اعتاد عليها صاحب القرار الأمريكى..إن الرئيس السيسى معه أوراق كثيرة لم تتوافر لسابقيه..هناك معركة تخوضها مصر ضد حشود الإرهاب ودفعت فيها ثمنا غاليا من الشهداء والأموال والاستقرار ورغم أن الجميع تخلى عنها فى هذه المعركة إلا أنها لم تتراجع وصمدت بل أصبحت نموذجا لتجربة فريدة وناجحة فى محاربة الإرهاب لقد اتسمت كل المواقف بالسلبية بينما كان العالم يشاهد دماء المصريين التى استباحها الإرهاب فى سيناء بل وفى قلب القاهرة وكان العالم يشاهد ما يحدث غير عابئ بما يدور حتى انتقلت النيران إلى عواصم الغرب الكبرى وبدأت العواصف..فى الوقت الذى كانت مصر تواجه الإرهاب وحدها كان الغرب يمنع السياح عنها ويمارس ضغوطا اقتصادية ليس هذا وقتها بل انه فتح أبوابه وإعلامه لجماعة الإخوان المسلمين وهى رأس الإرهاب فى هذا العالم..يذهب الرئيس السيسى إلى واشنطن وهو أكثر صلابة ليقدم للغرب كل الأدلة أن مصر نجحت فى مواجهة الإرهاب رغم أنكم تخليتم عنها ليس فى معركة الحرب ولكن فى معركة البناء والتنمية..
> يذهب الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن التى لم تستقبل رئيسا مصريا منذ سنوات ومعه ملفات الاقتصاد المصرى بكل جوانب القسوة فيها وما فرضته على شعبها من الالتزامات فى هذه الظروف الصعبة لكى يؤكد للعالم أن المصريين قادرون على تحمل مسئولية بناء بلدهم بإمكانياتهم حتى ولو كانت ضعيفة رغم أنهم يخوضون حربا ضد عدو غاشم يهدد مصير الإنسانية كلها..إن اخطر ما حملته ملفات التحول الاقتصادى فى مصر انه مصرى الهدف والقرار والأعباء وأن الشعب تحمله بكل الشفافية والإصرار..
يذهب الرئيس السيسى ومعه واحد من اخطر الملفات فى هذه المرحلة وهو تجديد الخطاب الدينى بعد أن اختلطت الأوراق فى دنيا السياسة وتحولت إلى مواجهات ضارية بين تيارات جعلت من الدين وسائل عنف وقتل ودمار وتناست أن الأديان قامت على السماحة واحترام قدسية البشر..وما بين الإرهاب وقضايا الدمار التى تهدد الإنسانية كلها وقضايا العبث باسم الدين يأتى ملف الخطاب الدينى ليحفظ للدين سماحته وللإنسان قدسيته..
> قد تكون هذه هى المرة الأولى التى يواجه بها الرئيس السيسى الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكى بمجموعة من الحقائق والوثائق لتؤكد الثمن الذى دفعته مصر فى معركتها مع الإرهاب من قوت شعبها ومستقبل أبنائها والصور كثيرة ومتعددة لما يحدث فى سيناء كل يوم من مواجهات عسكرية استخدمت فيها مصر كل إمكانياتها وتضحيات هؤلاء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن ترابهم..هناك الوضع الاقتصادى الصعب الذى تعيشه مصر بشعبها وهناك ما يحدث فى المنطقة كلها من الفوضى والدمار واستطاعت مصر أن تنجو من هذا الطوفان..اختار شعبها رئيساً..وشكل برلماناً واصدر دستوراً وأنجز بنية اقتصادية فى كل مجالات البناء فى فترة زمنية مبهرة واستطاع أن يتخذ قرارات صعبة فى تحرير سعر الصرف والتوسع الزراعى وإنشاء الطرق والمرافق والخدمات كان يحارب الإرهاب ويحاول أن يوفر ضرورات الحياة لشعب يعيش محنة قاسية..إن صمود مصر وسط هذه الأزمات والتحديات يمثل نموذجا لإرادة شعب يحب الحياة ويكره الموت والدمار..
> لن تخلو ملفات الرئيس السيسى من بعض الوقفات حول أخطاء ارتكبتها الإدارات الأمريكية السابقة ووصلت بالعالم العربى إلى ما هو عليه الآن ابتداء بغزو العراق وانتهاء بإقصاء قضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية وتهميشها على كل المستويات..وفى هذا الإطار سوف تطل ملفات العراق وسوريا وليبيا واليمن وقبل هذا كله قضية السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطينى فى ظل دولتين والقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية ولعل هذا آخر ما أكده بيان القمة العربية فى عمان..
> سوف يكون ملف (الإخوان المسلمون) من الملفات الحاضرة أمام جزء من اللوبى الإخوانى فى الإدارة الأمريكية وجد من يجعل منه خنجراً فى جسد الوطن المصرى رغم أن المصريين منحوه الفرصة وحين ثبت فشله أطاحوا به فى ثورة يونيو وخرج الإخوان غير مأسوف عليهم..هل جاء الوقت أن تراجع الإدارة الأمريكية موقفها من جماعة الإخوان أم أنها مازالت حتى الآن تدور فى فلك الرئيس اوباما والسيدة كلينتون وهذا الوهم الخاطئ إنهم جزء من الحل ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم الإسلامى كله..
هناك ملفات قديمة سوف تفرض نفسها على المفاوضات بين السيسى وترامب:
> إن موقف الإدارة الأمريكية السابقة افتقد الكثير من الشفافية والحياد تجاه ما حدث فى مصر بعد ثورات الربيع العربى وقد حامت الكثير من الهواجس والظنون حول الدور الأمريكى فى كل ما جرى فى مصر وان أمريكا عادة لا تضع للإخلاص مكانا فى مواقفها مع أصحاب القرار فى الدول النامية وإنها من السهل أن تتخلى عن أشخاص قدموا لها كل التنازلات وفى لحظة ما باعتهم بأبخس الأثمان..
> إن الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس اوباما تراجعت فى مواقفها فيما يخص المعونات العسكرية إلى مصر رغم أنها كانت تعلم أن مصر تخوض حربا حقيقية ضد الإرهاب..
> إن برامج المساعدات الأمريكية لمصر كانت تدور فى إطار الدعم العسكرى ولم تقترب يوما من مجالات التنمية الحقيقية فى مجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا الحديثة وظلت أكثر من ثلاثين عاما بعد كامب ديفيد ابعد ما تكون عن الاستثمار الحقيقى الذى يضيف للاقتصاد المصرى موارد حقيقية..
> لم تترد الإدارات الأمريكية السابقة فى أن تكون سببا من أسباب الفوضى والتوتر بل والتدخل العسكرى فى المنطقة العربية كما حدث فى العراق وسوريا وليبيا بل إنها لم تكن فى يوم من الأيام على مستوى المسئولية فى قضية العرب الأولى وهى السلام مع إسرائيل والفلسطينيين وكانت جزءا من الأزمة ولم تكن جزء من الحل..
> لم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا مع مصر فى قضايا كثيرة تهدد الأمن القومى الصرى رغم كل ما كان يقال عن التعاون والشراكة, واكبر دليل على ذلك موقف أمريكا من سد النهضة ولم تترد أمريكا فى أن تتخذ موقفا مع اثيوبيا رغم الاتفاقيات الدولية الملزمة التى تحدد موقف مياه الأنهار فى كل دول العالم.
> لم يسمع احد فى أمريكا والغرب كل الدعوات التى أطلقتها مصر لمواجهة الإرهاب وانه يمثل خطرا حقيقيا على الحضارة الإنسانية وحين أفاقت هذه الدول على حشود الإرهاب وهى تقتحم العواصم الغربية أدركت حجم الكارثة ورغم هذا لم تمد يد العون إلى مصر بل إنها فى أحيان كثيرة منعت السياحة والطيران ولم تسهم فى دعم قدرات شعب يواجه الإرهاب وحده فى أكثر من مجال بل أنها احتضنت تيارات متطرفة شنت حملات مسعورة على مصر وشعبها..
> كان ينبغى أن تكشف أمريكا من باب المصداقية ما لديها من أموال رموز النظام السابق وقد تحدثت عنها فى أثناء ثورة يناير على لسان مسئولين كبار ثم أغلقت كل الملفات وكأنه نوع من التواطؤ أو إخفاء الحقيقة عن الشعب المصرى.. إن المؤسسات الأمريكية بكل سلطانها ونفوذها فى العالم قادرة على أن تقدم لمصر كل ما لديها من معلومات موثقة عن أموال المصريين الهاربين أو المقيمين فى خزائن الغرب لأن هذا حق للشعب المصرى..
> هناك مخاوف أمريكية لا يمكن تجاوزها حول النشاط الروسى فى المنطقة وقد كسب مساحات كبيرة فى ظل حالة الجحود التى تعاملت بها أمريكا مع دول المنطقة حين شاركت فى إشعال الفتن بين السنة والشيعة وحين احتضنت رغبات إيران وهى تتسلل إلى مناطق نفوذ جديدة فى لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وربما مناطق أخرى فى الخليج العربى.. ان التمدد الروسى الإيرانى التركى جاء على أنقاض خسائر كبيرة منيت بها أمريكا فى المنطقة جعلت الكل يطمع فى جزء من الغنيمة فكيف تواجه أمريكا هذه المعادلات الجديدة..هناك مواجهات فى سوريا حيث توجد على الأرض السورية قوات روسية وأخرى إيرانية وثالثة تركية وفى اليمن أيضا بل فى ليبيا على حدود مصر تطل الآن أشياء غريبة..
> لاشك أن زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن واحدة من أهم إذا لم تكن الأهم فى تحديد مستقبل العلاقات بين مصر وأمريكا وما يترتب على دول المنطقة كلها من آثار هذه الزيارة..إن الرئيس السيسى لن يسأل عن معونات أمريكية سوف يبحث مجالات للتعاون والشراكة لبناء مستقبل جديد يقوم على الندية بعيداً عن أزمنة مضت لم تعد صالحة الآن كلغة للمستقبل..
إن الرئيس السيسى يحمل أعباء منطقة أنهكتها الصراعات والدمار والمعارك والرئيس ترامب يحمل ميراثا ثقيلا من سياسات سابقيه فى غياب الرؤى وفوضى القرارات, وكلاهما يدرك ذلك فهل يمكن أن يصل الرئيسان إلى منطقة تتلاقى فيها المصالح وتترفع فيها الغايات والأهداف.