بقلم - فاروق جويدة
مازلت أذكر اللقاءات القليلة التى جمعتنى مع عبدالحليم حافظ كنت يومها فى مطلع الشباب وكان هو نجما ملأ سماء هذا الكون..ورغم هذا التقينا فى أجمل ما يجمع البشر وهى المشاعر وهى تتجاوز الزمن والأعمار والمسافات..كنت واحدا من الملايين الذين أحبوا صوت العندليب وتركوا قلوبهم الصافية البريئة تسافر معه إلى أبعد مكان..فى أحيان كثيرة تنبت فى الحدائق أنواع فريدة من الزهور لم يعرفها احد من قبل..وكثيرا ما تشاهد نوعا من الطيور لم تسمع صوته وكأنه جاء من زمن أخر..
وهذا هو عبدالحليم حافظ زهرة برية نبتت فى صحراء أيامنا فكان الصوت والعطر والجمال..وإذا سألت لماذا كان عبدالحليم حافظ هو وحده الذى حرك كل هذه المشاعر..ولا تجد الإجابة..لماذا هو دون كل الناس الذى جمع حوله أجيالا من الشباب أحبوا على صوته..ولا تعرف الأسباب..يكفى انه عبدالحليم حافظ فقط دون استرسال..
مثل كل الأشياء الجميلة كان عبدالحليم رحلة قصيرة فى الحياة لم يمتد به العمر طويلا..بدأ رحلته فى الغناء وهو يستقبل ثلاثينيات العمر..ومضى وهو لم يكمل الأربعينيات ولو إننا حسبنا سنوات المرض والمعاناة والأطباء والمستشفيات لاكتشفنا أن عبدالحليم غنى لنا سنوات قليلة..
مثل الزهور تماما عطر جميل وعمر قصير..لماذا اخذ حليم كل هذا الحب من الناس والإجابة لأنه غنى لهم بكل الصدق والإحساس حين كان حليم يغنى يصبح إنسانا آخر غير ما يعرفه الناس إن للإحساس وهجا يشبه الماس الحقيقى لا تخطئه عين المشاعر فى كل زمان ومكان..فى رحلة قصيرة فى سنوات عمره الأخيرة جمعتنا الأقدار حول قصيدة أراد أن يغنيها ولكن إرادة الله سبقت وهى قصيدتى «عندما ننتظرالقطار»..
كان حليم كتلة من المشاعر تمشى على الأرض لم يجمع مالا ولا شيئا من عتاد الدنيا غير الإحساس.. مثل كل الأشياء الصادقة فى هذه الحياة..نفحة سماوية من الابداع الجميل حركت وجدان البشر ومازالت تضئ..هذا هو عبدالحليم حافظ الذى مضى على رحيله أربعين عاما ومازال حتى الآن يحلق فى سماء قلوبنا..بعض الناس يجىء إلى الحياة يغنى ويطرب وفى هدوء ينسحب وتبقى الحياة بعده فى انتظار قادم جديد وقد يطول الانتظار.