كان الإعلام ومازال صناعة أمريكية ابتداء بنجوم السينما وكيف تجرى عمليات تتويجهم وانتهاء بنجوم السياسة وما يدور حولهم من القصص والحكايات والأكاذيب .. ان الإعلام الأمريكى لم يكن مقصورا على ترويج النجوم فى أمريكا وحدها ولكنه اقتحم العالم كله وأصبح تجارة دولية رائجة ومنه تعلمت حكومات ودول وشعوب كيف تصنع الأكاذيب وتلفق القضايا .. كان الإعلام الأمريكى مدانا فى أحداث كثيرة فقد شارك فى جرائم دولية من العيار الثقيل بل انه لعب أدوارا فى إسقاط زعامات وتتويج زعامات اخرى ..
< لن ننسى ابدا أسطورة النموذج الأمريكى عند نجوم السينما الأمريكية امثال سلفستر ستالونى وهذا النموذج الإنسانى الخارق والرجل الذى يستطيع ان يقتل آلاف البشر فى أحداث فيلم بسيط .. ولم تكن السينما المجال الوحيد بل انتقلت سطوة الإعلام على الأحداث السياسية وخلقت نماذج فى السلوك تجاوزت توقعات وقدرات البشر, ومن يشاهد أفلام العنف والقتل والجريمة يتأكد أنها غيرت الكثير فى طبيعة الحياة وسلوكيات المجتمعات وصنعت أساطير فى كل شئ ابتداء بالمصارعة الحرة وانتهاء بأفلام الخرافات والعفاريت والقصور المسكونة وقد حققت أمريكا من ذلك كله مكاسب كثيرة ابتداء بالهمبورجر وانتهاء بكنتاكى والجينز وانواع البيبسى والكوكاكولا والوجبات الجاهزة وكل ذلك صنعته آلة إعلامية وإعلانية رهيبة وكان الأخطر من ذلك الحروب التى دارت على الشاشات ولا احد يعلم هل كانت حقيقة ام خيالا .
لقد تصور الإعلام الأمريكى وهو فى عنفوان سطوته انه قادر على إدارة شئون العالم وليس أمريكا وحدها لأن خبرا يذاع فى CNNيهز أرجاء العالم ولأن حوارا يجرى فى قناة أمريكية مع مذيعة شهيرة يقلب موازين الأشياء وتحول الإعلام الأمريكى الى أداة لا تغطى الأحداث والنجوم فقط ولكنها تشارك فى صنع هذه الأحداث مع سلطة القرار .. لقد تحول الإعلام إلى وسيلة ضغط شديدة التأثير على صانع القرار حتى ان البعض تصور أحيانا انه تجاوز فى تأثيره ودوره كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية.
ان الخطير فى الأمر ان الإعلام الأمريكى أصبح هو النموذج الناجح والمؤثر فى دول العالم وحاولت الحكومات استيراد هذا النموذج فى مكوناته ورموزه وتأثيره وأصبحت هناك مؤسسات مالية تنفق بسخاء على هذا النشاط من اجل إسقاط رموز او أشخاص او نظم حاكمة, وفى أحيان كثيرة وصل الإعلام بأساليبه واحيانا أكاذيبه إلى نتائج مذهلة تجاوزت فى قوتها وتأثيرها سلطة القرار
لقد تمادى الإعلام فى فرض سطوته ليس فى أمريكا النموذج ولكن فى دول العالم أمام التقدم التكنولوجى الرهيب فى وسائل الاتصال التى أصبحت تمثل تيارا شعبيا جارفا يهدد استقرار الشعوب وسلطة حكامها ..
< كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية الأخيرة مؤشرا جديدا فى سقوط منظومة أسطورة الإعلام الأمريكى الذى وقع فى خديعة كبرى أمام الرأى العام العالمى وليس الأمريكى وحده .. ان سقوط السيدة هيلارى كلينتون ومعها كل وسائل الإعلام الأمريكية من الشاشات ومؤسسات قياس الرأى العام ووسائل التواصل الاجتماعى ودعم كل نجوم المجتمع الأمريكى فى السينما والصحافة والسياسة وبرامج الشاشات والتوك شو وكبار المذيعين والمذيعات كان إعلانا بسقوط أسطورة الإعلام الأمريكى التى سيطرت على عقول الناس أزمانا طويلة .
لقد أعلنت الصحف الأمريكية الكبرى فوز كلينتون قبل إعلان النتائج ووضعت صورها على غلاف الجرائد والمجلات احتفالا بهذا الفوز وكانت سقطة مهنية وإعلامية رهيبة هذا بخلاف تزييف الحقائق وخداع الناس ونشر الأكاذيب خاصة استطلاعات الرأى العام وما جاء فيها من أكاذيب صارخة
ان سقوط هيلارى كلينتون فى الانتخابات لم يكن المفاجأة الأكبر بل ان أكذوبة الإعلام كانت هى الجريمة الأخطر ولهذا كانت الصدمة عنيفة للرأى العام الأمريكى وهو يستقبل نتيجة الانتخابات بكل ما فيها من المفاجآت ..
< على الجانب الآخر كان فوز ترامب اكبر صفعة للإعلام الأمريكى الذى ضلل الناس وكذب عليهم .. فى الوقت الذى احتكرت فيه السيدة كلينتون الشاشات واستخدمت نجوم السينما والصحافة والإعلام, كان هناك مرشح آخر يخاطب العمال ويعدهم بزيادة دخلهم وتشغيل أبنائهم ولم يتردد فى ان يصل الى أحط الطبقات فى المجتمع الأمريكى من السود والعاهرات وبنات الليل, لم يتمسح ترامب فى نجوم المجتمع الأمريكى البراق الذين صنعهم الإعلام لأنه يعلم أنهم يقفون خلف منافسته التى اكتفت بأضواء الإعلام والشاشات والنجوم ولكنه اتجه الى الطبقات الدنيا واعدا بأنه سيجعل منهم أثرياء مثله وانه سوف يتصدى للإرهاب الذى يهدد المواطن البسيط وسوف يطارد مواكب المهاجرين الذين يشاركون الشعب الأمريكى فى طعامه وسكنه وأمنه وانه سيعود بالمواطن الأمريكى الى أمريكا الأم حيث يجد كل إنسان فرصته فى العمل والحياة .. لقد قدم ترامب للناخب الأمريكى النموذج الذى يريده بالحقائق وليس النموذج الذى يقدمه الإعلام بالأكاذيب ..
لقد لعب على أوتار الإنسان الأمريكى فى لغته وملامحه وطريقة كلامه وأسلوبه فى الحياة ولهذا استطاع ان يجمع كل هذه الأصوات وان يقلب المعركة الانتخابية أمام مرشحة غاية فى التميز من حيث الخبرات والتجارب لأن خلفها رئيسين هما اوباما وكلينتون ولهما تاريخ حافل فى إدارة شئون العالم وليس أمريكا وحدها وقد اقتربت كثيرا من البيت الأبيض وكادت ان تفوز ولكن الجماهير التى أسقطت أسطورة الإعلام غيرت مسارها واختارت مرشحا شرسا لا علاقة له بالسياسة وربما لم يقرأ كتابا فى حياته .. لقد سقطت مع منظومة الإعلام فى الإنتخابات الأمريكية منظومة النخبة حين تتعالى وتجلس خلف أسوار قصورها وتتصور أنها قادرة على تحريك الحشود وصنع المعجزات واستغلال البسطاء من البشر وقد سقطت نخب كثيرة أمام الإحساس بالتميز والتفرد فى رحلة الشعوب...
لم يكن سقوط هيلارى كلينتون المفاجأة الوحيدة ولم يكن نجاح ترامب المفاجأة الأكبر ولكن كان سقوط النخبة من نجوم المجتمع الأمريكى الذى صنعها الإعلام بكل وسائله وأساليبه المشروعة وغير المشروعة هو مفاجأة المفاجآت. ان اختيار الشعب الأمريكى لرئيس منفلت فى كل شىء سلوكا واخلاقا وصورة وكلاما يؤكد اننا امام زمن جديد ..
< والسؤال هنا وماذا بعد سقوط أسطورة الإعلام الكبرى فى العالم وكيف يستفيد خبراء الإعلام من هذا الدرس القاسى وهذه المحنة المؤلمة؟! .. ان النخبة الأمريكية الآن تطوف فى الشوارع تنعى حظها أمام رئيس لا تريده ولا تفهمه ومن الصعب ان تتعامل معه ولكنها قواعد الديمقراطية لمن أراد ان يعيشها ويؤمن بها .. ان الدرس الذى ينبغى ان يتعلمه الجميع :
اولا : ان إرادة الشعوب لا يمكن اختصارها على الشاشات وفى برامج التوك شو وان التضليل والأكاذيب لا تغنى ابدا عن الحقائق وعلى الإعلام ان يراهن دائما على الشعوب بعيدا عن الأضواء التى كثيرا ما تخدع العيون .
ثانيا : ان الإعلام فى العصر الحديث يمثل قوة حقيقية فى لعبة التوازن بين قوى المجتمع ولكنه يحمل الكثير من أسباب انهياره إذا تخلى عن الحقيقة وركبته مواكب السماسرة والمزيفين .
ثالثا : لا ينبغى ان نبالغ فى أهمية وتأثير الإعلام فقد يصنع نجوما كاذبة ولكن وعى الشعوب قادر على الوصول الى الحقائق وكشف الأكاذيب.
رابعا : ان الإعلام هو الابن الشرعى للسياسة وقد حمل كل ما فيها من جينات الفساد والكذب والتضليل والتلاعب ولهذا فإنه دائما يحوم فى حماها حتى لو تعارضت المصالح والأهداف .
خامسا : ان درس سقوط هيلارى كلينتون رغم حشود الإعلام التى ساندتها يؤكد ان النار يمكن ان تبقى تحت الرماد ثم تفاجىء الجميع بحسابات جديدة .
سادسا : ان العصر الحديث قد شهد زواجا باطلا بين المال والإعلام والسياسة وهذه الثلاثية أصبحت الآن تتحكم فى مصائر الشعوب فلا سياسة بلا مال ولا إعلام بلا سياسة ولا مال بلا سلطة وسوف تبقى هذه الثلاثية تحكم سلطة القرار فى العالم .. وفى ظل هذه المنظومة على الشعوب ان تدرك انها وقعت فريسة أشكال جديدة من الديكتاتورية والاستبداد بعيدا عن السجون والمعتقلات واستباحة حقوق البشر هناك غوغائية الإعلام وسطوة المال واستبداد السياسة وكلها مخاطر تهدد حياة الإنسان المعاصر..
ان سقوط أسطورة الإعلام فى الانتخابات الأمريكية كشف الوجه الحقيقى للتضليل الإعلامى الذى صنع من الفشل نجاحا ومن الأكاذيب حقائق وكان عليه ان يدفع الثمن أمام العالم كله فى فضيحة مدوية لا احد يعرف مداها .
..ويبقى الشعر
وجْهٌ جَمِيلٌ ..
طافَ فِى عَيْنى قليلا ً .. واسْتـَدارْ
فأراهُ كالعُشْبِ المسَافِر ..
فِى جَبين ِ الأرْض يَزْهُو فِى اخْضِرَارْ
وتـَمرُّ أقـْدَامُ السنِين عَليهِ .. يَخـْبُو ..
ثـُمَّ يسْقـُط فِى اصْفرَارْ
كمْ عِشْتُ أجْرى خـَلـْفـَهُ
رَغمَ العَواصِف..والشَّواطِىء.. والقِفـَارْ
هَلْ آنَ للحُلـْم المسَافِر أنْ يَكـُفَّ عَن ِ الدَّوَارْ ؟
يَا سِنـْدباد العَصْر .. إرجعْ
لمْ يَعُدْ فِى الحُبِّ شَىْءٌ غَيْرُ هَذا الانـْتـحَارْ
ارْجعَ .. فـَإنَّ الأرْض شَاخَتْ
والسّنونَ الخُضْرَ يَأكـُلـُهـا البَوَارْ
ارْجعْ .. فإنَّ شَوَاطىءَ الأحْلام ِ
أضْنـَاهَا صُرَاخُ المَوْج مِنْ عَفـَن ِ البـِحَارْ
هَلْ آنَ للقـَلـْبِ الذى عَشقَ الرَّحِيلَ
بأنْ يَنـَامَ دَقيقة ً .. مِثـْلَ الصِغـَارْ ؟
هلْ آنَ للوجْهِ الـَّذِى صَلـَبُوه فوقَ قِناعِهِ عُمْرًا
بأنْ يُلـْقِى الِقنـَاعَ الـُمسْتـَعَارْ؟
وَجْهُ جَمِيلٌ
طافَ فِى عَيْنى قليلا ً .. واسْتـَدَارْ
كانَ الوداعُ يُطلُّ مِنْ رَأسِى
وفِى العَيْنَين ِ سَاعَاتٌ تدُقُّ ..
وألفُ صَوْتٍ للقِطـَارْ
وَيْلى مِنَ الوجْه البَرىء ..
يغـُوصُ فى قلـْبى فيُؤلمُنى القرارْ
لمَ لا أسَافرُ
بَعْدَ أنْ ضاقتْ بى الشُّطآنُ .. وابْتعَدَ المزارْ ؟!
يا أيُّها الوجه الذى أدْمَى فؤَادى
أىُّ شَىْءٍ فيكَ يُغْرينى بهَذا الانتظارْ ؟
مَا زالَ يُسْكرُنى شُعَاعُكَ ..
رَغـْمَ أنَّ الضَّوْءَ فى عَينىَّ نارْ
أجْرى فألمَحُ ألـْفَ ظلٍّ فِى خُطاىَ
فكيْفَ أنجُو الآنَ مِنْ هَذا الحِصَارْ ؟
لِمَ لا أسَافِرُ ؟
ألفُ أرْض ٍ تحْتـَوينِى .. ألـْفُ مُتـَّكإٍ .. ودَارْ
أنا لا أرَىَ شَيْئـًأ أمَامِى
غَيْرَ أشْلاءٍ تـُطاردُهَا العَواصِفُ .. والغـُبَارْ
كمْ ظلَّ يَخْدَعُنِى بَريقُ الصُّبح فِى عَيْنـَيْكِ ..
كـُنـْتُ أبيعُ أيَّامِى ويَحمِلـُنى الدَّمَارُ .. إلى الدَّمَارْ
قـْلبى الذَّى عـَلـَّمتـُهُ يَومًا جُنونَ العِشْق ِ
عَلــَّمَنِى هُمُومَ الانـْكسَارْ
كانتْ هَزَائِمُهُ عَلى الأطـْلال ِ..
تـَحْكِى قِصَّة القـَلـْبِ الـَّذِى
عَشقَ الرَّحيلَ مَعَ النـَّهَارْ
ورَأيْتـُهُ نـَجْمًا طريدًا
فِى سَمَاءِ الكـَوْن ِ يَبْحَثُ عَنْ مَدارْ
يَا سِنـْدبَادَ العَصْر
عهْدُ الحُبِّ ولــّى ..
لنْ تـَرَى فِى القـَفـْر لؤلـُؤة ً..
ولنْ تـَجـِدَ المحَارْ
وَجْهٌ جَمِيلٌ ..
طافَ فِى عَيْنِى قليلا ً .. واسْتـَدَارْ
وَمَضَيْتُ أجْرى خـَلـْفـُه ..
فوجَدْتُ وَجْهـِى .. فِى الجـِدَارْ
قصيدة " النجم يبحث عن مدار " سنة 1993