بقلم: جهاد الخازن
تحتفل بريطانيا اليوم بمرور 400 سنة على وفاة وليام شكسبير، أعظم شعراء الإنكليزية، وربما أعظم الشعراء بأي لغة.
كانت مدرستي الثانوية إنكليزية وجامعتي أميركية، ودرست وليام شكسبير، وقرأت بعضاً من شعره (السونتات) ومسرحياته. كان أستاذ الأدب الإنكليزي في المدرسة متحمساً لشكسبير، وأنا متحمس للمتنبي وامرئ القيس، وسألته يوماً لماذا إصراره على أن شكسبير أعظم شاعر. أستاذي كان يتقن العربية، وقال لي إن المتنبي شاعر عظيم، إلا أن شعراء عرباً آخرين يقتربون منه مثل جرير وأبي نواس وأبي العلاء المعري. أما بالإنكليزية فشكسبير يتربع على القمة وحده.
أختصر الزمن إلى اليوم فقد شاءت المصادفة، أو الحظ الطيب، أن تُكتَشَف مع الاحتفال اليوم بالذكرى الأربعمئة على رحيل شكسبير المجموعة المطبوعة الأولى لأعماله وهي تضم 36 مسرحية حفظتها دارة ماونت ستيوارت في جزيرة بوت باسكتلندا.
بعض النقاد اعتبر الاكتشاف في هذا الوقت بالذات كذبة أو مؤامرة، إلا أن الخبراء الذين فحصوا المجموعة أكدوا أنها تعود إلى عام 1623، أي بعد سبع سنوات من وفاة شكسبير.
عندي كتاب ضخم يضم كل أعمال شكسبير، وراجعت بعض صفحاته لأتأكد من دقة النقل. هو قال على لسان هاملت: نكون أو لا نكون. ذلك هو السؤال. هذا السؤال لم يتغير بعد أربعة قرون ونيف.
لا سؤال عن عظمة شكسبير فهي جعلت بعض أساتذة الجامعات العرب يصرّ على أنه من أصل عربي واسمه «الشيخ زبير» لأن الكلمة الإنكليزية شكسبير لا تعني شيئاً، ثم إن ملامح الشاعر العظيم عربية. هذه حماسة لا أساس لها، ومعمر القذافي كان من مدرسة عروبة شكسبير ما ينفي الزعم هذا نهائياً.
من أقوال شكسبير:
- بعضٌ يولَد عظيماً، وبعضٌ يحقّق العَظمَة، وبعضٌ تُلقى العَظَمَة عليه (الليلة الثانية عشرة).
- الجبناء يموتون مرات عدة قبل أن يموتوا. الشجعان يذوقون الموت مرة واحدة (يوليوس قيصر).
- أيها الأصدقاء، أيها الرومان، أيها المواطنون، جئت لأدفن قيصر لا لأمدحه (يوليوس قيصر).
- لا تكن دائناً أو مديناً... حتى لا تخسر الصداقة (هاملت).
- أنا رجل ارتُكِبَت خطايا ضدي أكثر مما ارتكبتُ أنا من الخطايا (الملك لير).
- روميو، روميو، أين أنت (روميو وجولييت).
- أحببت ليس بحكمة وإنما كثيراً (عطيل).
- هل أقارنكِ بيوم في الصيف (من السونتات).
أتوقف هنا لأقول أن كثراً اعتبروا «تاجر البندقية» رواية لا ساميّة بسبب المرابي شايلوك. معلمي في المدرسة الثانوية، وكان مبشراً إنكليزياً، أصر على أن شخصية شايلوك في الرواية تبرز رغبة في الانتقام لا حب المال. ولعل كلاماً لشايلوك في الرواية يؤكد صدق فهم الأستاذ، فهو قال: إذا جرحتنا ألا ننزف؟ إذا دغدغتنا ألا نضحك؟ إذا سممتنا ألا نموت؟ إذا أخطأت بحقنا ألا ننتقم؟
غير أنني أريد أن أختتم بشيء أقرب إلى واقع الحال العربي، ففي مسرحية «تيمون الإثيني» يقول البطل: رأينا أياماً أفضل.
أعتقد أن كل عربي يستطيع أن يقول اليوم أنه رأى أياماً أفضل.