قبل تسع سنوات أو نحوها، كان لي مقال عنوانه «تفاءلوا بالكنى فإنها شبهة». العنوان هذا من حديث نبوي متفق عليه ومثله: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسّنوا أسماءكم.
مقالي القديم كان عن الحرب في العراق والاسم بوش، فهذه الكلمة عند عرب الشمال تعني لا شيء. وقد عاد إليّ المقال القديم وأنا أرى مرة أخرى في البحرين سائق سيارة اسمه زعَل، وعند عرب الشمال يفضّل بعض الأسماء القبيحة لأنها تحمي من «العين».
في «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري قصة ظريفة عن الأسماء وأنقلها إلى القراء اليوم، وهي:
حكي عن امرأة من العرب قالت لأخرى: سمّاني أبي غاضية وإنما تلك نار ذات غضى، فالحمد لربي على ما قضى، وتزوجت من بني جمرة رجلاً أحرق وما أمرق، أي لم يكثر مرقه. وكان اسمه تَوْربا، وإنما ذلك تراب، فشمتت بي الأتراب. وكان أبوه يدعى جندلة فعضضت عنده بالجندل (الصخر) وما شممت رائحة مندل (العود الطيب الرائحة) وكان اسم أمه سوارة، فلم تزل تساورني في الخصام، ولا تنفعني بعصام.
قالت الأخرى: لكن سماني أبي صافية، فصفوت من كل قذى، وجُنِّبت مواقع الأذى، وزوجني من بني سعد بن بكر، فبكّر علي السعد، وأُنجِز لي الوعد. واسم زوجي محاسن جُزي الصالحة، فقد حاسن وما لاسن، واسم أبيه وقاف، رعاه الله فقد وقف عليه خيره، وأكثر نديّ ميَره، واسم أمه راضية، رضيت أخلاقي ولم تجنح الى طلاقي.
موضوع الأسماء يحتاج الى حذر، فحرف أو حركة تغير المعنى، وأبو تمام قال:
هي الحَمام فإن كسرت عيافه/ من حائهن فإنهن حِمام
والحمامة يقال لها حمامة سلام، أما الحِمام فهو الموت.
أبقى مع موضوع الأسماء وأنتقل الى قصة من التاريخ، فقد كان لهارون الرشيد أخت اسمها عباسة. وقرأت أنها تزوجت جعفر البرمكي وأنه قتل بسببها ثم كانت نكبة البرامكة. الأرجح أن هذه القصة غير صحيحة. ما هو صحيح قصة «العباسة» لجرجي زيدان ومسرحية «العباسة» للشاعر المصري عزيز أباظة.
الصحيح أيضاً أن العباسة بنت المهدي بن المنصور من بني العباس، أخت هارون الرشيد، وكانت شاعرة تجيد الغناء.
أبو نواس، على ما يبدو، صدّق قصة زواج العباسة من جعفر البرمكي، وهو يقول عنها في شعر هاذر لصديقه الخليفة الأمين:
ألا قل لأمين الله/ وابن السادة الساسة
إذا ما حانث سرك/ أن تفقده راسه
فلا تقتله بالسيف/ وزوّجه بعباسة
عباسة كان لها زوج واحد، مات عنها ولم تتزوج غيره فقد تحاشاها الرجال بسبب شعر أبي نواس. هي لم تختر لنفسها اسم عباسة، وإنما اختاره لها والدها. أقول إن بسمة أو باسمة أفضل وأقرب الى سمعتها الطيبة.