بقلم : جهاد الخازن
اختار البريطانيون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أجري في 23 حزيران (يونيو) 2016. قال الخبراء الاقتصاديون، وهم كُثر، أن الانسحاب سيؤذي الاقتصاد البريطاني. الاقتصاد بقي كما هو في الأيام والأسابيع التي تلت، وسخر الناس من الخبراء. الآن بدأت توقعات الخبراء تتحقق، فالصادرات هبطت 4.9 في المئة في حزيران، والواردات زادت 1.5 في المئة، وبنك إنكلترا يتوقع انكماشاً اقتصادياً بحوالى 20 في المئة خلال السنوات المقبلة.
مع ذلك، البنك يتوقع زيادة الاستثمار في الاقتصاد خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، وهبوط الجنيه الاسترليني مقابل الدولار بنحو 13 في المئة منذ التصويت على ترك الاتحاد الأوروبي يجعل الصادرات البريطانية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
قرأت أن حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي ليس لها رأي موحد إزاء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فهناك المتشددون يقابلهم المترددون، مع فريق في الوسط.
المتشددون يقودهم وزير الخارجية بوريس جونسون وبينهم وزيرة التنمية الدولية بريت باتيل، ووزير التجارة الخارجية ليام فوكس. طلاب الانسحاب التدريجي الناعم يقودهم وزير الخزانة فيليب هاموند وبينهم وزيرة الداخلية إمبر راد ووزير العمل والطاقة والاستراتيجية الصناعية غريغ كلارك.
تيريزا في الوسط بين المتشددين والمترددين ومعها وزير الخروج من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيس، ووزير البيئة والمأكولات والشؤون الريفية مايكل غوف وآخرون.
كيف هبطت بريطانيا إلى هذا الدرك السياسي؟ رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون قرر إجراء استفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو تركه. كانت نتيجة الاستفتاء مع ترك الاتحاد الأوروبي، واستقال كاميرون في اليوم التالي وخلفته تيريزا ماي.
رئيسة الوزراء كانت مع البقاء في الاتحاد الأوروبي، والآن تقود جهود الخروج منه. أراها أفضل من كاميرون في جميع الأحوال مع أن السنة الماضية من نوع «تنذكر ما تنعاد»، كما يقول اللبنانيون. الجنيه تراجع كثيراً أمام الدولار واليورو، وهذا قد يسهل التجارة الخارجية لبريــــطانيا، والبلاد شهدت ثلاثة أعمال إرهابية كبيرة ثم قررت تيريزا ماي إجراء انتخابات نيابية مفاجئة في 8 حزيران الماضي وكانت النتيجة أن المحافظين خسروا الغالبية التي كانوا يتمتعون بها في مجلس العموم.
الحكومة تصرّ على أنها متفقة متجانسة، لكن مجموعة شيشرون التي تدرس الأخطار السياسية درست موقف كل عضو في حكومة ماي، وقرأت أن الوزراء متفقون على ترك الاتحاد الأوروبي، وغالبية منهم تريد خروجاً منظماً لتبقى بريطانيا في بعض مواقعها الحالية في الاتحاد، خصوصاً التبادل التجاري. رئيسة الوزراء أعلنت أن الأوروبيين العاملين في بريطانيا أو المقيمين فيها، وعددهم حوالى ثلاثة ملايين، سيبقون في البلاد.
الوضع صعب، ولا أريد أن أتكهن بمستقبل بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، مع أنني أرى أن الصعوبات الناشئة عنه قابلة للحل. أقول هذا ثم أسجل أن أكثر المشكلات تعقيداً في عملية ترك الاتحاد هي الثمن الذي ستدفعه بريطانيا. موازنة الاتحاد مدتها سبع سنوات، والموازنة الحالية بدأت عام 2013 وأقرها مجلس وزراء الاتحاد والبرلمان الأوروبي. بما أن موعد الانسحاب لم يحدد بعد فهناك وجهات نظر مختلفة حول ما ستدفع بريطانيا وهي تنسحب. بعض الأرقام خيالي ويصل إلى مئة بليون يورو، وبعضها أقل وفي حدود 60 بليوناً. مهما كان الرقم الأخير، فبريطانيا ستدفع من دون شيء في المقابل لها، إلا إذا بقيت عضواً في المجالس الاقتصادية والتجارية.
الوضع صعب وسيزداد صعوبة قبل الاتفاق على التفاصيل فننتظر لنرى.