بقلم : جهاد الخازن
ماذا بعد داعش؟ أكاد أسمع مَنْ يقول لي: على مهلك داعش لم تنته بعد. هذا صحيح إلا أن نهاية الإرهاب الداعشي اقتربت، فهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في العراق، وسيلقى المصير نفسه في سورية.
أرجو ألا أكون أغّلب الأمل على الواقع المرّ، إلا أنني أرى الإرهاب شذوذاً على القاعدة، لا جزءاً منها.
القوات العراقية والمليشيات المحلية حررت شرق الموصل، وهي الآن تكمل المهمة في غربها. أترك الحرب للجنرالات وأتحدث عمّا أعرف فآخر ما تابعت من أخبار الموصل اكتشاف حفرة طبيعية ألقى فيها الإرهابيون جثث ضحاياهم، والتقديرات تتحدث عن ألوف من هؤلاء.
السلطات العراقية لا تعطي أرقاماً، ولكن الثابت أن عشرات المقابر الجماعية كشفت وجود أكثر من 10 ألف جثة فيها لرجال ونساء وأطفال. وكان هناك قبر جماعي ضم جثث 1700 جندي من معسكر في المنطقة قبل ثلاث سنوات.
جماعة مراقبة حقوق الإنسان تقول إن هناك عشرات المقابر الجماعية في شمال العراق وحده، وإن مقبرة منها تُعرَف باسم خفصة ربما تضم ألوف الجثث.
أتحدث عن المقابر الجماعية من دون أن أنسى الإرهاب ضد الإيزيديين، تلك الطائفة الصغيرة المغلقة على نفسها التي قتل الداعشيون مئات من رجالها وسبوا النساء وصغيرات دون سن البلوغ.
كذلك لا أنسى القتلى في الحرب لتحرير الموصل، فالمعركة بدأت قبل خمسة أشهر وحُرِّر شرق المدينة ومطارها، والقتال يوشك أن ينتهي في غرب المدينة، أو الجزء قرب نهر دجلة، حيث يقيم 750 ألفاً قرأت أن حوالى 50 ألفاً منهم فرّوا من منطقة القتال. أقرأ الآن أن الهاربين بدأوا يعودون الى بيوتهم وأحيائهم المدمًّرَة.
لم تبقَ جريمة لم يرتكبها الإرهابيون، فكأننا نعيش في أيام التتر لا القرن الحادي والعشرين. مستشفى ابن الأثير في الموصل لم يسلم من التخريب، مع أنه للأطفال المصابين بالسرطان، وأقرأ الآن أن حوالى 400 طفل مريض بدأوا يعودون إلى المستشفى، وأن الأطباء فيه عادوا إلى العمل، فأحيي إنسانيتهم.
لم أزرْ بغداد في حياتي، لأنني عارضت نظام صدام حسين من أول يوم له، وكان أصدقائي جميعاً في شمال العراق من الأكراد، وبينهم «مام» جلال طالباني الذي أدعو له بالشفاء والأخ مسعود بارزاني. أؤيد دولة مستقلة للأكراد تضمهم من إيران والعراق وتركيا، ما يعني أنني أقف معهم ضد حرب رجب طيب اردوغان عليهم، فقد كان السلام معهم يمكن أن يستمر، لولا تطرف «السلطان» اردوغان.
أعود الى الوضع الأمني في العراق، فآخر ما سمعت من تصريحات رسمية للقوات العراقية في الموصل أنها باتت تسيطر على ثلث المنطقة الغربية، أي الأحياء القديمة من المدينة، وأنها ستدمر وجود داعش هناك خلال أيام.
هناك وضعان سياسيان لا بد أن يؤثرا في الوضع العراقي. الأول، إصرار الرئيس دونالد ترامب على أنه سيأمر بغارات تدمر الدولة الإسلامية المزعومة في العراق وسورية. ربما كان هذا هدفاً يريده ترامب فعلاً، إلا أنني أرجح أنه يريد الحلول محل ايران في العراق لسرقة بتروله. الثاني هو زيارة وفد من وزارة الخارجية العراقية الرياض وعقد مفاوضات قد تؤدي الى تشكيل مجلس تنسيق بين البلدين، وفتح معابر الحدود واستئناف رحلات الطيران. هذا العمل يفيد العراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج كلها، وأرجو أن يركز الجانبان عليه ليقوم ويعمل ويستمر، فالسعودية ليس لها أطماع في العراق مثل إدارة ترامب، إلا أنها تخشى أطماع الآخرين فيه.