رؤية مغايرة للأزمة الفلسطينية
آخر تحديث GMT 11:58:37
 فلسطين اليوم -

رؤية مغايرة للأزمة الفلسطينية

 فلسطين اليوم -

رؤية مغايرة للأزمة الفلسطينية

ماجد كيالي

لا تتوقّف الأزمة الفلسطينية على الخلاف السياسي بين «فتح» و «حماس»، ولا على انقسام النظام السياسي الفلسطيني، بين سلطتي الضفة وغزة، ولا على إخفاق خياري المقاومة والتسوية، أو الانتفاضة والمفاوضة، ولا على ترهل أو استهلاك كياني المنظمة والسلطة، رغم استهلاك طاقات الفلسطينيين في البحث عن الصيغ التي تمكنهم من التغلب على كل واحدة من المشكلات المهمة والمؤثرة، إذ إن أزمتهم هي أعمق وأشمل وأبعد من كل ذلك، وهذا ما يفترض أن يكون في مركز إدراكاتهم وما يجب تكريس جهودهم من أجله، بدل التجاهل أو التهرب.

هكذا، فالأزمة تتعلق برؤية الفلسطينيين لأنفسهم، ولطبيعة صراعهم مع عدوهم، وتعريفهم مشروعَهم الوطني، وتحديدهم طرق نضالهم المناسبة والمجدية، وتصورهم عن مستقبلهم، وضمن ذلك تحديدهم الأفق السياسي الراهن لكفاحهم وتضحياتهم.

مثلاً، ما الذي يريده الفلسطينيون على المدى البعيد؟ وما الذي يستطيعونه، في هذا السياق، على المدى القريب؟ ومن أجل ماذا يعانون ويضحون ويناضلون ويقاتلون ويُقتلون؟ هل من أجل البقاء عند حدود اتفاق اوسلو مع سلطة مهمشة ليس لها من السلطة شيء سوى السيطرة على شعبها؟ أو من أجل إقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، لجزء من الأرض على جزء من الشعب مع جزء من السيادة؟ وهل هذه تستطيع أن تكون حقاً دولة مستقلة وأن تمثل كل الفلسطينيين، أم مطلوب منها أن تمثل فلسطينيي الأراض المحتلة (1967) فقط؟ ثم ما هو نوع الدولة الوطنية التي يطمحون إليها: استبدادية، أم ديموقراطية، وطنية أم اسلامية؟ أم انهم يريدون التحرير، وإقامة دولة واحدة من النهر إلى البحر، وطنية أو اسلامية، وتالياً طرد اليهود؟ أم يريدون دولة ديموقراطية، سواء كانت ذات طابع ثنائي القومية أو دولة مواطنين متساوين وأحرار؟

هذه هي المعضلة، التي ينبغي أن نحرّض على النقاش في شأنها مهما كانت أوضاعنا، علماً أن الفكر السياسي الفلسطيني، في اواخر الستينيات، كان ناقش هذه المسائل، لكن بدلاً من المضي بتعميقها، وإغنائها، تم تجاهلها، وتالياً النكوص عنها. مع التأكيد أن هذا النقاش عندي ينبني على اعتقاد مفاده أنه لا يوجد أفق، لاستمرار اسرائيل كدولة يهودية واستعمارية وعنصرية، أولاً، لأن الممالك الاوروبية، في القرن الحادي عشر، اجتمعت كلها على غزو المشرق العربي لكنها لم تستطع الحفاظ على مملكتها في القدس (رغم قرنين من الحروب الصليبية). وثانياً، ولأن التطورات الدولية، وتطور البشرية، والقيم الإنسانية وتداعيات عصر العولمة، تتعارض مع ذلك. وثالثاً، لأن ثمة رهاناً على نهوض مجتمعات العالم العربي. وبديهي أن هذا الاعتقاد ينسحب على فكرة التحرير، التي تتضمن «كبّ» اليهود في البحر أو طردهم، لأنها أيضاً تتعارض مع الواقع الحاصل ومع تطور البشرية وقيمها، لمصلحة إيجاد حلول استيعابية وديموقراطية، تتأسس على المواطنة والعدالة والمساواة، في تمثل للحل الذي تم تجريبه، بين المستعمر والمستعمر، في جنوب افريقيا، بعد تقويض نظام التمييز العنصري.

على ذلك فإن الفلسطينيين معنيون، في ضوء ما تقدم، بدراسة واقعهم وظروفهم وإمكانياتهم، وإمعان التفكير بكيفية صوغ رؤية جديدة لمشروعهم الوطني، بحيث يأتي مراعياً لأفق المستقبل، وظروف الحاضر، والقيم الإنسانية، واعتبارات الحقيقة والعدالة، لإعادة بناء حركتهم الوطنية وكياناتهم السياسية على هذا الأساس.

أما على المستوى الراهن، فليس لدى الفلسطينيين سوى خيارين، أولهما، استمرار الوضع الراهن، مع مجرد سلطة محدودة تتعايش مع إسرائيل، وتشتغل على أساس التنسيق الامني والتبعية الاقتصادية والمصالح السياسية معها. وثانيهما، الانقلاب على واقعهم الراهن وتحرير الكيان الفلسطيني من اتفاقات او من قيود اوسلو، بعد أن نقضتها اسرائيل أساساً، واعتباره مجرد كيان تابع للمنظمة، وتتحدد مهمته في إدارة أحوال الفلسطينيين في الداخل، لكن على أساس تنمية المؤسسات والموارد الذاتية في سياق التصارع المدروس، وليس التعايش، مع الاحتلال، وفقاً للطرق والوسائل المناسبة والمجدية.

واضح أن الخيار الأول سيؤدي الى تآكل الكيانات السياسية الفلسطينية، وأفولها، بعد أن انتهى دورها، وبعد أن تخلت هي عن معنى وجودها، كما سيؤدي ذلك الى انهيار المشروع الوطني الفلسطيني، في حين أن المشروع الثاني ربما يكون بمثابة الجسر اللازم لحمل حالة وطنية فلسطينيية جديدة، تبشر بها الأجيال الجديدة من الشباب الفلسطينيين في الداخل والخارج، التي تتطلع الى العيش في عالم أكثر حرية وعدالة وكرامة، مع أشكال وتصورات جديدة في النضال والتعبير.

وبالتأكيد، فإن وجهة النظر هذه تنطلق من فرضية مفادها استحالة، أو أقله عدم جدوى، تصور عمل فلسطيني فوق العادة، او أزيد من قدرة الفلسطينيين، التي هي محدودة أصلاً، في ظل هذه المعطيات الدولية والاقليمية غير المواتية، لاسيما في ظروف انفجار المشرق العربي، وتصدع مجتمعاته، لاسيما في العراق وسوريا. والقصد هنا أن الحديث الجاري عن انتفاضة جديدة، او عن حرب تحرير من غزة، تفتقد للمنطق، وللإمكانيات الواقعية، كما أنها ستكون عملاً يستحيل استثماره، بالقياس لتجارب الانتفاضة الثانية او لحروب غزة الثلاث، مع التأكيد أن هذه القناعة هي مجرد رأي، بمعنى أنها لا تملك قوة الفرض، ولا تستطيع كبح اية قوة ترى في إمكانها إطلاق انتفاضة او حرب تحرير، علماً ان هذا الرأي لا يشمل العمليات الفردية المتفرقة والعفوية.

أما بخصوص الحديث عن أزمة الكيانات الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية)، فإن هذا يشمل الفصيلين الرئيسين المسيطرين على الموارد والمجال العام والقرار، وهما «فتح» و «حماس»، كما يشمل ما يسمى فصائل «اليسار الفلسطيني» وهذا ما يتمثل بضعف قدرتهم على إنتاج كيانات تمثيلية ومؤسسية وديموقراطية، وافتقادهم القدرة على تجديد الأفكار وبنى أشكال العمل، واستمراء العيش على الماضي، من دون الاستفادة من تجربة، أو من خبرة، كفاحية عمرها نصف قرن، بما لها وما عليها.

والحال فإن مشكلتنا مع الفصائل، أيضاً، أنها باتت بمثابة كيانات مغلقة، ولم تعد تمثل تيارات ذات بعد شعبي، كما كانت، وانها تفتقد للحراكات الداخلية وللحياة الديموقراطية، فثمة طبقة متسيدة فيها، في الأغلب لم تعد تضيف شيئاً لكفاح الفلسطينيين لا على صعيد التفكير السياسي ولا طرائق النضال، وانها وإن في شكل متفاوت، ترهلت وتراجعت مكانتها، في مواجهة اسرائيل، وانحسرت مكانتها، في مجتمعات الفلسطينيين.

مثلاً، فإن المشكلة في «فتح»، كتيار وطني، أنها كفّت عن كونها حركة وطنية تعددية متنوعة، وأنها بعد أن كانت الحركة الأكثر شبهاً بشعبها، أضحت بمثابة حزب للسلطة، تحتكر الموارد والتقرير بالخيارات، وانها نكصت عن مشروعها الوطني نحو حل لجزء من الشعب على جزء من الأرض، دون أن تحاول شق أي أفق آخر، ومن دون أن تحاول نفض التكلس والكسل في بدنها؛ رغم فشل خيار المفاوضة وتعثر كيان السلطة. والمشكلة في «حماس»، أنها تشتغل كتيار ديني أكثر مما تشتغل كتيار وطني، وأنها تحولت الى سلطة في غزة، تهيمن على حياة الفلسطينيين، وفي شكل أحادي، وبوسائل القسر، وبدعوى تطببق الشريعة، وأنها تتصرف في السياسة للبناء على موازين القوى والمعطيات العربية والدولية وانما بروح قدرية، لا تأخذ في اعتبارها معاناة الفلسطينيين في غزة وتضحياتهم. أما المشكلة مع فصائل اليسار فهي أنها أيديولوجية (مع أن هذه الكلمة كبيرة عليها)، وانها أضحت بمثابة فصائل معزولة، وبيروقراطية، فضلاً عن انها مشتتة، وهي لا تشتغل لتوحيد ذاتها، مع انه لا يوجد مبرر لبقائها متوزعة على عدة فصائل، غير نظام «الكوتا»، مع ضعف أهلية قيادتها، لا سيما انها تفتقد إلى الديموقراطية وللحراكات الداخلية ايضاً. والمشكلة الأهم أن هذه الفصائل لم تعد تضيف شيئاً البتّة، وقد قل تأثيرها في العمل الفلسطيني، وعلى الرأي العام، فضلاً ان سياساتها غالباً ما تتبع «فتح» أو «حماس»، ناهيك بأنها تقف مع نظام الاستبداد في سوريا، ومع إيران، وتتنكّر لعذابات الشعب السوري وتضحياته وطلبه على الحرية والكرامة، مع فصلها بين مفهومي التحرير والحرية.

لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بمعالجات جذرية وشاملة، وهو أمر صعب ومعقّد لاسيما في هذه الظروف، مع خراب المشرق العربي، وارتهان الكيانات الفلسطينية للإرادات الخارجية، وتشتت أوضاع الفلسطينيين والمصاعب التي تواجهها مجتمعاتهم، مع ذلك فكلما كان ذلك أقرب، ولو بالتدريج، كان أجدى وأفضل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رؤية مغايرة للأزمة الفلسطينية رؤية مغايرة للأزمة الفلسطينية



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday