د. حنا عيسى
يمكن تعريف اللغة على أنها " نسق من الإشارات والرموز, يشكل أداة في المعرفة, وفي حفظ استعادة منتجات الثقافية الروحية والعشرة البشرية ". وقد ظهرت اللغة في مجرى العمل, الذي كان يتطلب التنسيق بين أفعال الناس وبواسطة اللغة , بواسطة النطق , أمكن للبشر أن يتبادلوا خبرتهم ومهاراتهم وأفكارهم وانفعالاتهم , وان ينظموا بالتالي , نشاطهم المشترك .ومن ثم تحولت اللغة تدريجيا إلى أهم أدوات التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع لا في مجال العمل فحسب, بل وفي باقي ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي.
وهي ترتبط بالتفكير ارتباطا وثيقا. فأفكار الناس تصاغ دوما في قالب لغوي, حتى في حال تفكيره الباطني, فقط في اللغة تحصل الفكرة على وجودها الواقعي, واللغة ترمز إلى الأشياء المنعكسة فيها . فرموزها تبدو وكأنها تحل محل الأشياء الفعلية, وبفضل ذلك يمكن للإنسان في نشاطه الذهني ان يتعامل لا مع الأشياء نفسها بل مع رموزها. وبواسطة اللغة يتم التفكير التعميمي, وقدرته على استجلاء ما للأشياء من صفات داخلية عميقة ومن قوانين تطورها. وبفضل اللغة توضح نتائج نشاط الناس الذهني وإنجازات العلم بمتناول الجميع, تحفظ للأجيال القادمة ويكون هذا شرطا للتواصل التاريخي في تطور المعرفة. وبعبارة أخرى: إن اللغة ( وخاصة اللغة المكتوبة ) هي الأداة الرئيسية للذاكرة الاجتماعية. ومن خلال وسائط اللغة لا تتجسد نتائج المعرفة وحدها, بل والجزء الأساسي من ثمار الثقافة الروحية كلها.
والى جانب لغة الحديث العادية, التي يستخدمها الناس في نشاطهم اليومي, هناك لغات اصطناعية لها منظومة معينة من الرموز الأبجدية وقواعد التأليف بين هذه الرموز وكيفية استخدامها ( النحو). ومن ذلك اللغات الرمزية المستخدمة في الرياضيات والكيمياء والشيفرات توضع بواسطتها برامج الآلات الحاسبة الالكترونية وغيرها. واللغات الاصطناعية لا تحل أبدا محل اللغة العادية, ولكنها تلعب دورا كبيرا في تطور المعرفة العلمية. فهي تجعل عرض المضمون أكثر دقة واختصارا, فتقلص حجم النشاط الذهني الضروري لمعالجته.