د. حنا عيسى
من المسائل الاساسية التي تهم المجتمع دور الجماهير و الفرد في العملية التاريخية... حيث هناك نظريات متناقضة منها من ينيط الدور الحاسم بالنشاط الواعي – الملوك، الأمراء والزعماء السياسيين- الذين يصنعون التاريخ على هواهم، او لا تولي أهمية لنشاط الناس، فتعتبر ان تطور المجتمع يتوقف على العناية الالهية أو القدر المحتوم، أما الواقعية فتنفي أن تفعل التاريخ قوى غاشمة، غريبة عن الناس، بحيث يتعذر التأثير عليها. فالتاريخ حصيلة نشاط الناس، ولكن الناس لا يصنعون التاريخ بناءا على رغبتهم، وانما في ظروف معينة، لا تتوقف على مشيئتهم، ان الشعب ولا سيما القوة الفاعلة هو صانع التاريخ فللناس الدور الحاسم في الاقتصاد، ذلك أنها تخلق الخيرات المادية التي بدونها لا تقوم للمجتمع قائمة، وعلى الناس أو الجماهير تتوقف مصائر الثورات و الحركات السياسية، كما وتلعب الجماهير دورا بالغ الأهمية في حياة المجتمع الروحية، ويتجلى هذا الدور في وضع اللغة و الفلكلور الشعبي و ارساء أسس الثقافة الوطنية، ولكن الواقعية، اذ تقول بالدور الأساسي للجماهير الشعبية في التاريخ، فانها لا تنفي شأن نشاط الشخصيات البارزة و التاريخية، فعظماء الرجال يؤثرون في تطور الاحداث بالاتجاه الصحيح اذا كانوا يستندون الى تحرك الجماهير، واذا كانوا يعبرون عن متطلبات تطور المجتمع. و في المجتمع المعاصر تفعل و تصارع فئات و طبقات تقودها أحزاب و حركات وتنظيمات سياسية.
ومن هنا تنشأ الحاجة الى قادة للجماهير و الاحزاب، يمثلون مصالح فئة أو طبقة معينة، ويكونون الأكثر وعيا بمتطلبات التطور الاجتماعي، و الاكثر دقة في صياغتها و التعبير عنها وينظمون الجماهير الشعبية على النمو المطلوب. ان عقل زعماء الجماهير وقادتها، وكذلك خصالهم الشخصية، تلعب دورا هاما في تكلل نضال الشعب الثوري بالنجاح، وتبني تجربة التاريخ ان دور الجماهير يتعاظم بصورة طبيعية مع تقدم المجتمع، وتتزايد فعالية الجماهير الخلاقة في تطوير الانتاج و تحوير مختلف جوانب الحياة الاجتماعية.