د. حنا عيسى
إن التفريق بين الإرهاب والتطرف هو مسألة جد شائكة، وذلك لشيوع التطرف والإرهاب كوجهين لعملة واحدة، ومع ذلك فتفرقة ضرورية، ويمكن رسم أوجه الاختلاف بينهما من خلال النقاط التالية:
• التطرف يرتبط بالفكر والإرهاب يرتبط بالفعل.
• إن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة، أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب، فالتطرف دائما في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
• التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبر جريمة بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن تم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.
• يختلف التطرف عن الإرهاب أيضا من خلال طرق معالجته فالتطرف في الفكر، تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار أما إذا تحول التطرف إلى تصادم فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها.
التطرف والاستبداد:
ويلخص المفكر المصري فؤاد زكريا (1927ـ 2010) في كتابه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل» (1987) الروابط بين الاستبداد والتطرف قائلاً: «لو شئت أن ألخص العلاقة بين الفكر الديني المتطرف من جهة وبين الديموقراطية والاستبداد السياسي من جهة أخرى، لقلت إن الديموقراطية لا تحارب هذا الفكر المتطرف، وإنما تزيل أسباب وجوده، فالتطرف الديني لا يضطهد في النظام الديموقراطي. بل إنه، ببساطة، لا يجد التربة الصالحة لظهوره. أما الاستبداد السياسي فإنه يعطي التطرف كل مقومات وجوده، ويهيئ له المناخ الذي يسمح له بالازدهار، لكنه سرعان ما يقمعه بعنف إذا تجاوز حدوداً معينة، وهو لا بد أن يتجاوز هذه الحدود، لأن التطرف لا يمكن حصره أو رسم «خط أحمر» لا يصح له أن يتعداه. وهكذا فإن الاستبداد يدخل مع التطرف في علاقة شديدة التعقيد: إذ إنه ينفعه ويضرّه في آن معاً، وينعشه ثم يخنقه في حركة جدلية مأسوية لا مفرّ منها. ومع ذلك، فإنك لو سألت التطرف الديني: أيهما عدوك الأول: الحاكم المستبد الذي يفتح لك الأبواب ثم يقمعك، أو الحاكم الديموقراطي الذي لا يضطهدك، ولكنه لا يعطيك فرصة الظهور، كان جوابه، الذي أثبتته أحداث التاريخ، هو أن الأخير هو العدو الحقيقي".
ويعتبر بعض المحلِّلين أن التطرف الديني هو ثمرة الهزائم السياسية والعسكرية التي عرفها العرب منذ نكسة 1967، وأن فشل المشروع القومي أتاح المجال للحركات الإسلامية العنفية بطرفيها السياسي والجهادي كي تحتل الساحات والعقول.
أسباب التطرف:
إن اسباب مشكلة التطرف والارهاب في مراحلها الاربع معا هي اسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وايديولوجية. فاعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم اي فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطاب ديني متطرف ولثقافة ترفض التسامح فيجدون انفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التطرف والعنف. فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها احيانا في المجتمعات العربية الاسلامية في المنزل والمدرسة واجهزة الاعلام والمسجد والشلة تتفاعل مع وجود خطاب ديني مسيس ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع ويتبنى رؤية خاصة وتفسيرا خاصا للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والاسلامية ويساعد على تنمية التطرف والعنف والارهاب بين الشباب. والوسطاء الذين يقومون بنشر الخطاب الايديولوجي والديني المسيس الذي يحض بشكل مباشر وغير مباشر على التطرف والارهاب هم عديدون ويوجدون في مواقع كثيرة في المجتمع. ومن امثلتهم بعض العلماء وأئمة المساجد، وبعض الاساتذة والاداريين ومسؤولي النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي في المدارس والنوادي واصحاب الديوانيات والمجالس والمكتبات والمتخصصين في فن الكلام وزعماء بعض النقابات والجمعيات المهنية والفنية والتعاونية والخيرية وزعماء الشلل الثقافية وبعض الكتاب والمفكرين وخاصة انصاف المثقفين وبعض الاعيان واصحاب الوجاهة والنفوذ الفكري في الاحياء والقرى.
ومن اسبابه ايضاً التعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة. اضافة للخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، تجانب الفهم الصحيح للإسلام ومجافية لروح الأديان كلها من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح، وتنبذ التعصب والكراهية... يضاف الى ذلك ثلاثية الفقر والأمية والجهل التي تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب ديني مشوّه وفتاوى وتأويلات مغلوطة، وآراء ضيقة الأفق، ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف، وفي أحيان كثيرة تكون "المرأة" في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية.
ويزيد الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتي يأتي في مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية والاندفاع نحو الحلول المتطرفة خاصة في ظل تنامي دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف...وامام غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي، والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت في المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية تراجع تيار التحديث وتصاعد خطابات متزمتة فكريًّا، متطرفة دينيًّا، سلطوية سياسيًّا، منغلقة اجتماعيًّا. ويضاف الى كل هذه المعطيات الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التي أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية وانتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية، والإقليمية التي تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية، وتسيء إلى وسطية الفكر الديني المعتدل.