د. حنا عيسى
التمثيل القنصلي كالتمثيل الدبلوماسي مظهر من مظاهر السيادة, ومباشرة الدولة له سواء في صورته الايجابية بإيفاد قناصل من قبلها لدى الدول الأخرى أو في صورته السلبية بقبول قناصل الدول الأخرى لديها, ترتبط بوضعها السياسي من حيث ممارسة سيادتها.
لكل دولة تملك مباشرة التمثيل القنصلي أن تقيم مع الدول الأخرى علاقات قنصلية وتتم إقامة هذه العلاقات بالاتفاق بين الدولتين صاحبتي الشأن ومؤدى هذا انه لا إلزام على الدول في ذلك وان إيفاد دولة لقناصلها لدى دولة أخرى لا يكون إلا بالتراضي بين الدولتين وانه لا يمكن أن يفرض على دولة ما قبول قناصل أجانب بإقليمها إذا لم تكن رغبة في ذلك, وان لكل دولة أن تحدد الأوضاع والشروط الخاصة بقبول قناصل الدول الأخرى لديها من حيث عددهم ودوائر اختصاصهم ومدى هذا الاختصاص كل ذلك بطبيعة الحال إذا لم تكن الدولة مرتبطة باتفاق دولي سابق يفرض عليها التزامات معينة في هذا الشأن فان وجد مثل هذا الاتفاق تقيدت الدول به وتعين عليها حينئذ أن تتصرف في حدوده.
ويتفق فقهاء القانون الدولي في الرأي على انه ليس في قواعد هذا القانون حاليا ما يلزم الدول مباشرة بان تقيم بينها علاقات قنصلية أو أن تقبل أطلاقا قناصل غيرها لديها. لذا نجد اتفاقية الهافانا المبرمة بين الدول الأمريكية بخصوص الممثلين القنصليين تنص في مادتها الأولى على أن يكون تعيين هؤلاء الممثلين بناء على اتفاق صريح أو ضمني بين الدول المعينة. وقد جاءت اتفاقية فيننا للعلاقات القنصلية مؤيدة لما تقدم فنصت في الفقرة الأولى من مادتها الثانية على أن " تنشا العلاقات القنصلية بين الدول بناء على اتفاقها المتبادل " على انه إذا كان من حق كل دولة أن تقبل أولا تقبل إقامة علاقات قنصلية مع دولة أو بضع دول أخرى, فان رفض الدول دون مبرر إقامة هذه العلاقات يتعارض مع واجبها في التعاون مع غيرها من الدول فضلا عما قد يسببه لهذه الدول من إساءة نتيجة حرمانها من رعاية ما قد يكون لها من مصالح اقتصادية أو اجتماعية أو اتفاقية لدى تلك الدولة . لذا يجدر بكل دولة عند استعمالها حقها هذا أن تراعي الاعتبارات المتقدمة وان يكون موقفها في هذا الشأن مجردا من التحكم أو التحدي وإلا ترفض إقامة علاقات قنصلية مع أية دولة في حالة سلام معها إلا إذا كانت لديها أسباب جدية تبرر هذا الرفض. وبذا يمكن أن يتحقق التعاون بين الدول وان تصان المصالح كل منها لدى الأخرى.