د. وحيد عبدالمجيد
أصبح انتهاك الحياة الخاصة لأى شخص فى بلادنا أمراً عادياً. يصل هذا الانتهاك إلى حد الاستباحة فى بعض الأحيان، وخاصة بالنسبة لشخصيات عامة بدعوى أن هذا النوع من الشخصيات «ملك للجمهور». وعندما يُستباح شخص بهذه الذريعة تصبح حياته الخاصة فى عرض الطريق!
وليس هذا إلا مؤشراً واحداً من بين مؤشرات كثيرة تدل على أن المسافة بين مجتمعنا والعصر الحديث تزداد. فاحترام الخصوصية أو الحيز الخاص للإنسان هو أحد معايير تقدم أى مجتمع أو تخلفه.
وتتميز المجتمعات التى يعيش فى عصرنا الراهن بقدرتها على مقاومة الميل إلى انتهاك الخصوصية تحت أى ظرف. ومن آخر الأمثلة على ذلك النزاع الذى حدث بين شركة «أبل» ومكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى (إف.بى.آى) حول فتح جهازى «آى فون» مغلقين برقمين سريين. فقد طلب المحققون من الشركة فتح هذين الجهازين، اللذين يعود أحدهما إلى الإرهابى سيد فاروق منفذ هجوم سان برناردينو فى كاليفورنيا فى ديسمبر الماضى، والثانى إلى تاجر مخدرات فى نيويورك. ويدل تأمل الجدل الذى دار بين ممثلى الجهتين على مدى صعوبة انتهاك الحياة الخاصة فى مجتمع متقدم. فقد طلب «إف.بى.آى» الوصول إلى المعلومات الموجودة فى الجهازين لأغراض أمنية ملحة. فردت «أبل» بأنه لا يوجد برنامج لفتح الأجهزة المغلقة بأرقام سرية، وأنها ترفض تصميمه لأنه يفتح الباب أمام الاعتداء على خصوصية المستخدمين.
ورد «إف.بى.آى» بأن هذه مبالغة فى الخصوصية لا تتعلق بالمبادئ بل برغبة «أبل» فى إظهار تميزها. فردت الشركة بأن سلطات الأمن نفسها تحتاج إلى خاصية أحكام غلق أجهزة الهاتف والكومبيوتر، وأن تطوير هذه الخاصية تسارع بعد الضربة التى تلقتها وكالة الأمن القومى الأمريكى عندما قام إدوارد سنودن بكشف معلومات خطيرة موجودة فى أجهزتها.
وعندئذ، تراجع «إف.بى.آى» وقام بمحاولة أخيرة، حيث طلب تصميم برنامج يُستخدم فى هاتين الحالتين فقط، وتقوم الشركة بتدميره بعد ذلك. فردت «أبل» بأن هذا كلام غير علمى، إذ لا يمكن التخلص بشكل نهائى من برنامج تم تصميمه، وليس هناك ما يضمن حتى عدم قرصنته بأشكال مختلفة.
وعندما وصل النزاع إلى القضاء، حسمه لمصلحة احترام الخصوصية. فقد رفضت محكمة فى نيويورك طلب «إف.بى.آى» وقالت إنه غير مشروع، بينما أوصت المحكمة التى نظرت قضية هاتف الإرهابى بأن تقدم «أبل» ما سمته مساعدة معقولة فى حدود ما تستطيع القيام به.